بقلم : عمرو الشوبكي
يقينا هناك تيار مجتمعى مؤيد للنظام الجديد فى مصر، شكَّل أغلبية كبيرة فى نهاية حكم الإخوان، ودعَّم تدخل الجيش فى 3 يوليو، لقناعته بأنه كان يواجه جماعة دينية عقائدية هدفها بناء دولة دينية تقضى على كل ما تبقى من إرث الدولة الوطنية الحديثة فى مصر.
وقد تراجع هذا التيار المؤيد فى الفترة الأخيرة بسبب سوء أداء النظام الجديد وبسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية وعدم قدرة المسؤولين على الاستماع لهموم الناس، بعد أن انشغلوا بالشعارات والهتافات اليومية.
والحقيقة أن معضلة مصر بدأت عقب تبنى تيار مؤثر من أبنائها- عقب ثورة يناير- خطابا ثوريا جاء على هوى الإخوان (رغم أنهم جماعة ترفض الثورة والأفكار الثورية)، فأصدروا قوانين للعزل السياسى ساهمت فى انقسام المجتمع، وتعاملت مع التيارات المحافظة والتقليدية فى المجتمع (وهى الكتلة الغالبة) على أنها جزء من فساد النظام القديم، فمهد ذلك لوصول الإخوان للسلطة وفشلهم المدوى.
ويصبح من المهم الوعى أن تجربة النجاح الوحيدة فى تجارب الثورات العربية، أى تونس (رغم الصعوبات)، ترجع فى جانب رئيسى منها إلى قدرة مجتمع ما بعد الثورة على التعايش مع تيار محافظ لم يكن بعيدا عن النظام القديم، ولا يقبل بفكرة التغيير الثورى، وربما يمثل أغلبية المجتمع، والنجاح فى وضع قواعد دستورية وقانونية قبل الدخول فى المنافسة السياسية، وهو عكس ما جرى فى مصر فى عهد الإخوان، حيث وصلت الجماعة للسلطة، ثم وضعت دستورا مناسبا لتوجهاتها الفكرية والسياسية، رفضته باقى القوى السياسية، بالإضافة إلى قوانين تخدم مصلحة الجماعة وحساباتها.
نجاح أى تجربة تحول ديمقراطى فى العالم العربى لابد أن يقوم- أولاً- على وضع قواعد دستورية وقانونية قبل الدخول فى صراع وتنافس سياسى وحزبى، ويعنى- ثانياً- الاعتراف بالتنوع داخل المجتمع، أى قبول التنافس بين الاتجاه التقدمى الذى عبر عنه تاريخيا حزب الوفد، ثم جمال عبدالناصر، ثم مؤيدو ثورة 25 يناير، فى مقابل الاتجاه المحافظ، الذى نجده منقسما تاريخيا إلى تيارين، الأول وطنى يصفه البعض بأنه «دولاتى» مؤيد للدولة وحزبها الحاكم (أيا كان اسم هذا الحزب)، ولديه إيمان بالدور الوطنى للجيش ولا يقبل أى مساس به، وهو يمثل غالبية المجتمع، وهو عابر للتوجهات السياسية والمراحل التاريخية، فستجد مؤيدين للوفد وعبدالناصر وثورة يناير ينتمون إلى هذا التيار، يقابلهم الاتجاه الإسلامى، الذى يمثل الوجه الآخر للقوى المحافظة داخل المجتمع، وهناك شواهد تؤكد عدم إيمان القسم الغالب منه بالدولة المدنية والمواطنة والديمقراطية، ولعل فشل تجربة الإخوان فى مصر أعطى رسائل لكثيرين على صعوبة دمج التيار الإسلامى فى العملية السياسية والديمقراطية، وهو صحيح فى كل حالة دخل فيها التيار الإسلامى العملية السياسية كجماعة دينية مثلما جرى فى مصر وفلسطين والعراق، فى حين نجحت تجربة الحزب السياسى المدنى المنفصل عن الجماعة الدينية فى كل من تونس والمغرب.
التيار المؤيد للحكم الحالى مازال موجودا ولديه جذور حقيقية فى المجتمع المصرى، ولكنه يهدر كل يوم أوراق القوة لصالح البحث عن أوراق ضعف، فهو غير منظم فى حزب أو تنظيم سياسى، ويردد أنصاره فى الإعلام كلاما فارغا لا علاقة له بالعقل وليس فقط السياسة، ولا يمتلك أى رؤية فكرية وسياسية متماسكة، إنما يردد كلاما فارغا عن المؤامرات الكونية وشعارات لا علاقة لها بنظم النجاح سواء الديمقراطية منها أو الشمولية، وتصبح فرص امتلاكه رؤية وملامح مشروع سياسى فى علم الغيب.