بقلم : عمرو الشوبكي
مازالت الدولة تتعامل مع ملفات كثيرة بطريقة النعامة التى تدفن رأسها فى الرمال حتى لا ترى الواقع والحقيقة المرة، فترفع الدعم عن البنزين وتعوم الجنيه ولا تنتظر رفع الأسعار، وتحاول أن تصور للرأى العام أن المشكلة فى التجار الغشاشين والسائقين الجشعين ورجال الأعمال الفاسدين، وأن الضرب بيد من حديد على كل هؤلاء سيحل مشكلة الغلاء والأسعار.
يقيناً هذه الشريحة موجودة فى كل المجتمعات، ويزيد حجمها فى البلاد غير الديمقراطية التى تغيب عنها دولة القانون، وأن مواجهتها مطلوبة لأن مشكلة الغلاء وارتفاع الأسعار ستظل موجودة حتى لو أعدمنا كل التجار الجشعين، لأن هناك متغيرا اقتصاديا اسمه رفع الدعم عن بعض السلع سيؤدى تلقائيا لارتفاع الأسعار.
إن من أسوأ ما نشاهده فى مصر الآن هو ما يجرى مع سائقى الأجرة، أو ما يعرف بالتاكسى الأبيض، وفيه إصرار عجيب على العودة السريعة لحالة عدم الاتساق مع النفس بالتمسك بتعريفة العداد القديمة، رغم مضاعفة سعر البنزين وكأننا نقول إن فكرة العقد أو الاتفاق المكتوب بين السائق والراكب فى أى بلد محترم متمثلة فى العداد قد انتهت، وإن المطلوب كما بقينا 30 سنة فى عهد مبارك أن يبقى الناس فى شجار وخناق ومعارك على التعريفة المطلوب دفعها ونعود للمشهد العبثى القديم.
كيف يمكن أن نتخيل بعد الارتفاع الكبير فى سعر البنزين أن تبقى تعريفة العداد كما هى؟ هل هذا أمر طبيعى.. هل سنضحك على أنفسنا مرة أخرى؟ هل هناك من هو سعيد بأن يستمر الشجار بين الناس بهذه الطريقة، وأن تكون الجملة الأولى التى يقولها كثير من السائقين للركاب «مفيش عداد»، بما يعنى العودة للتقديرات العشوائية حتى فى تعريفة الأجرة، بعد أن تقدمنا خطوة فى الاتجاه الصحيح بوضع تعريفة للعداد؟.
الحقيقة أن قرارات رفع الدعم عن السلع يتبعها إجراءات حماية للفئات المتضررة وبدائل تحتاج الحكومة لتشغيل عقلها لطرحها، سواء بدعم النقل العام أو تنظيم وسائل النقل الجماعى الخاصة (لميكروباص) أو مساعدة سائقى الأجرة على تطوير أنفسهم حتى يصبحوا قادرين على منافسة شركات النقل الكبرى التى دخلت مؤخرا السوق المصرية مثل أوبر وكريم.
والحقيقة أن المنافسة، فى ظل منظومة قانونية محددة، أمر فى صالح المستهلك، فلا يوجد تاكسى فى بلد متقدم لا يستخدم العداد مثلما هو الحال فى مصر، أو يتمنى المواطنون قبول السائق أن يوصلهم لمكان قريب من المكان الذاهبين إليه، لأن السائق عندنا هو الذى يقرر إذا كان هذا المكان مناسبا له أم لا.
ما يجرى مع سائقى التاكسى الأبيض هو انعكاس لمشكلة أكبر تتعلق بمن يقع تحت طائلة قوانين الدولة «يا ويله»، فنحن نتكلم عن الوطنية فى الأغانى والهتافات، فى حين أن أى مؤسسة مصرية محلية لا علاقة لها بأى شركات عالمية نضيق عليها ونخنقها بإجراءات كارثية حتى تكره البلد ومن فيه.
التاكسى الأبيض هو مهنة يقوم بها سائقون مصريون لا يعملون مع شركات عالمية كبيرة (أوبر مثلا)، وبالتالى هم نتاج قوانين السوق المحلية، وبدلا من أن نساعدهم ونجمعهم فى شركة مصرية وطنية، ونعطيهم الحق فى مكسب عادل برفع سعر العداد، نفعل العكس تماما ونجعلهم يدعون على اليوم الذى جعلهم تحت رحمة «لا قانون» وعشوائية الحكومة المصرية.