بقلم:عمرو الشوبكي
فى ١٣ يونيو، أصدرت مجموعة من السودانيين المقيمين فى مصر بيانًا حمل عنوان «مناشدة من أهالى الفارين من جحيم الحرب إلى مصر»، وبدأ البيان بالآية الكريمة: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)،
وقد ناشد أهالى ما يقرب من 500 لاجئ سودانى المسؤولين المصريين، باسم الإنسانية، وباسم الجيرة، وباسم الدم والقربى والتاريخ والمصير المشترك، عدم إعادة الفارين من جحيم الحرب وويلاتها مرة أخرى إلى السودان، «حيث اضطر أهالينا للنجاة بحياتهم أن يهربوا إلى مصر، وتُوفى منهم حوالى 100 شخص نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وهناك مَن هو بين الحياة والموت، كما لم يسلم البعض من ابتزاز المهربين».
واعترف البيان بصراحة يُشكر عليها بأن هؤلاء اختاروا طريقة غير نظامية لدخول مصر، ولكنه أوضح السبب الحقيقى وراء هذا الاختيار بأنه «جاء نتيجة فجائية القصف الأخير، الذى طال مدنهم وأحياءهم، وبعد أن فقدوا كل ما يملكون، ولن يستطيعوا مواصلة حياتهم إلا بين أشقائهم وأهاليهم فى مصر».
واختتم البيان مناشدته «بدعوة الله عز وجل أن يمن على مصر وقيادتها بالخير والرخاء، وأن يحفظ عليها أمنها واستقرارها، وثقتنا فى الله وفيكم كبيرة». والحقيقة أن معظم هؤلاء الفارين من جحيم الحرب فى السودان لهم أقارب سودانيون مقيمون فى مصر، وطبيعى أن تتحرى السلطات المصرية عنهم، ولكن عليها أن تنظر بجدية فى مناشدة أهلنا السودانيين فى ظل فظائع القتل والاغتصاب والدمار وفق ما جاء فى البيان.
والحقيقة أنه لا أحد يطالب بأن تستقبل مصر جميع اللاجئين والفارين من الحروب، وهى مثقلة بمشكلات اقتصادية كثيرة، إنما أن تتقبل لفترة المواطنين العاديين، الذين أصبحوا ضحايا اقتتال أهلى، دون أن يكونوا طرفًا فى أى صراع أو حسابات سياسية، وكثير منهم ظروفهم المادية ميسرة.
إن السودان والسودانيين من أكثر الشعوب العربية قربًا لمصر، وتربطهم بها ليس فقط الانتماء العربى والمصالح المشتركة، إنما أيضًا علاقة الدم والقربى، وخاصة بين محافظات الجنوب المصرية ونظيرتها فى شمال السودان، وهو شعب يتميز بالكرم والطيبة وعزة النفس.
إن مصر بلد مُصدِّر للعمالة نتيجة أزماته الاقتصادية، وبالتالى هى ليست بلدًا جاذبًا للعمالة الأجنبية لأنها بلد وفرة اقتصادية، إنما هى بلد جاذب ثقافيًّا وحضاريًّا، وهذا أساسًا ما تمتلكه، فلا يجب تشويهه بتصرفات فردية هنا أو هناك، وأن كل مَن يخالف القوانين مهما كانت جنسيته يُحاسب.
قوة مصر ليست فى ثرائها المادى، فهى بلد لا يمتلك ثروة نفطية ولا أموالًا تؤمن دوره الخارجى، إنما تمتلك أصالة شعبها وتسامحه وحضورها الحضارى والثقافى، وأن قبولها بقواعد مَن اضطروا للقدوم إليها من السودانيين نتيجة محنة يجب أن يعتبره الجميع فى صالح صورة مصر وتأثيرها فى المديين القريب والمتوسط ولا نقول حتى البعيد.