الوطني الحداثي

الوطني الحداثي

الوطني الحداثي

 العرب اليوم -

الوطني الحداثي

بقلم : عمرو الشوبكي

ارتبطت تجارب التغيير فى مصر بنماذج متنوعة لمثقفين وسياسيين، بعضهم حلم بالتغيير ولم يره والبعض الآخر صنع التغيير رغم إخفاقاته، والبعض الثالث تأفف عن الواقع وانفصل عنه واكتفى بالكلام المنمق «اللطيف» فى جلسات الأنس المريحة.

والحقيقة أن التنوع من سمات الكون والبشر، فلا بأس أن تكون حالما ولا بأس أن تكون صوتا احتجاجيا، وقد تكون عمليا لا يحكمك أى مبدأ، أو متحولا على كل لون وتبعا لكل عهد، فهى كلها أنماط بشرية عرفناها عندنا وعند غيرنا.

والمؤكد أن هناك قوى ونخباً وتيارات سياسية تصدت لتجربة التغيير فى مصر منذ ثورة 1919 مرورا بثورة يوليو وانتهاء بثورة 25 يناير واختلف تقييمها تبعا للمدرسة الفكرية التى ينتمى لها كل تيار فاعتبر البعض أن مشكلة الوفد أنه لم يكن ليبراليا حقيقيا كما يقول كتاب حزب الأحرار الدستوريين وكثير من الصالونات الليبرالية فى ذلك الوقت، وأنه حزب ينتمى للوطنية المصرية ومنفتح على قيم العالم وليس العكس أى مندوب للقيم العالمية فى مصر، وأدخل مفردات العدالة الاجتماعية بصورة قربته من شرائح وسطى ودنيا من عموم المصريين أزعجت بعض القوى الأرستقراطية فى مصر.

تماما مثلما اعتبر البعض أن عبدالناصر كان عدواً للأغنياء وأن اشتراكيته جلبت الخراب على البلاد وأنها سبب الهزيمة فى حرب 67 (وكأن إسرائيل لم يحاربها العرب فى ظل النظم الملكية فى 1948).

ويقينا كان خطاب الإخوان المسلمون حاضرا فى هذا الجدل بقوة فحاولوا أن يصوروا صراعهم على السلطة فى العهد الملكى وعداءهم للوفد على أنه ضد أعداء الدين، وكرروا فعلتهم بصورة أكثر قسوة وحدة فى عهد عبدالناصر حين حاول بعض أعضاء التنظيم الإخوانى الخاص اغتيال الرجل فى 1954، ومنذ ذلك التاريخ حولوا صراعهم من أجل السلطة وعلى السلطة إلى صراع حول الدين وروجوا لمقولة إن مصر هزمت فى 67 بسبب بعدها عن الدين وعدم تطبيق الشريعة الإسلامية.

والحقيقة أن تعدد القراءات لتجاربنا السياسية المختلفة لم يلغ انحياز المثقفين والنخب السياسية الحاكمة والمعارضة لأربعة نماذج فكرية (حتى لو كان بعضهم لا علاقة له بالفكر ولا السياسة ولا يصنف نفسه على أنه ينتمى لأى فكرة) أولها يمكن وصفه بالمثقف العالمى أو المتعولم الذى كانت له جذور حقيقية فى كتابات ذات طابع إنسانى لا علاقة لها بالواقع المحلى وبعضها اقتصر نشاطه على حوارات فكرية وفلسفية ونقاشات فى الأدب والفن والسينما والمسرح (أمر طبيعى ومصدر ثراء)، وهناك من ذهب بشطحاته الفكرية إلى عالم السياسة والأحزاب فأخرج نظريات لا علاقة لها بالواقع المصرى وغير قادرة على التأثير فيه، وظل على هامش الفعل والتأثير السياسى طوال الفترة التى سيطر فيها المشروع الوطنى الحداثى على السلطة والشارع فى طبعتيه الوفدية والناصرية.

صحيح أنه عقب ثورة يناير انتعش التيار المتعولم الذى تصور أن الثورة هى نقطة فاصلة فى تاريخ مصر (وهى كذلك ولكن بمعنى مختلف) فاعتبر الجيش الوطنى عدوا واتهم الشعب المصرى بالتخلف والتخاذل لأنه لم يهتف بسقوط الدولة، واعتبر نفسه جزءا من حالة عالمية لها بريق مغر لم ير المجتمع المصرى ولم يقدم خطابا ينقله للأمام إنما كلام حالم يبعده عنه عشرات الأميال.

وقد تنوعت هذه المدرسة فبعضهم انتمى للجامعات والمؤسسات الأجنبية الذين لم يزوروا جامعة أو مؤسسة مصرية واحدة وكتبوا كلاما فارغا تحكمه عقد كثيرة لا علاقة له بأى واقع علمى، أو بعض الحقوقيين الذين أصبحوا فجأة ثوارا وحولوا أنشطتهم إلى مهنة ثورية بصورة لم تعرفها تجارب الثورات فى العالم كله، يقابل هؤلاء كثير من الأسوياء عملوا فى كل المجالات العلمية والاجتماعية، الحقوقية وغير الحقوقية وتعلموا تعليما رفيعا وارتبطوا بمؤسسات عالمية بعد أن عجزت المؤسسات الوطنية الطاردة للكفاءات أن تستوعبهم وهؤلاء (فى غالبيتهم الساحقة) انفصلوا عن الواقع المعيش وتأففوا عن التفاعل معه حتى لو كان ذلك تم بفعل فاعل إلا أن الحكم دفعهم إلى الانتماء الاضطرارى لحالة المثقف أو السياسى المتعولم رغم أنهم كانوا أقرب للوطنى الحداثى.

الوطنية الحداثية (أو النموذج الثانى الصانع للتغير) يعنى الارتباط بالواقع المحلى والوطنية المصرية كقيم مجتمع وتقاليد دولة ومؤسسات بناها الشعب المصرى عبر رحلة كفاح طويلة منذ محمد على وحتى الآن (رغم كل السلبيات المعروفة وعمليات الإصلاح الجراحى المؤجلة)، وينتمى لأفضل ما فى القيم الحضارية العربية والإسلامية، وفى نفس الوقت يؤمن بالقيم الإنسانية العامة فى العدالة والديمقراطية والمساواة مع القناعة بأن خلاف التطبيق والسياق الاجتماعى والسياسى المختلف لكل دولة أمر طبيعى ومشروع بشرط ألا يسقط فى فخ خطاب الخصوصية المنفصلة عن العالم، أو الوطنية التى تكره الدنيا حنى اعتبرت أن تعذيب الناس وانتهاك حقوقهم جزء من السيادة الوطنية.

فى مصر هناك خطاب دينى أممى (النموذج الثالث) وخطاب إنسانى عالمى فى مواجهة خطاب النموذج الرابع أى الوطنى «المحافظ» (صيغته الحالية فى مصر ليست محافظة إنما معادية للعقل والعلم والتقدم ولا علاقة لها بأى تيار محافظ عرفته مصر فى تاريخها المعاصر) وجميعها لن تصنع المستقبل مثلما لم تصنعه فى الماضى القريب.

مستقبل مصر وتقدمها مرتهن بنجاح صيغة وطنية حداثية تعتز بتاريخها الوطنى وتعرف أن بيئتها المجتمعية المحلية أنجبت قادة عظاماً مثل سعد زغلول ومصطفى النحاس وجمال عبدالناصر ورؤساء محنكين مثل السادات، وإذا كرهت الجميع فيقينا أنت لا علاقة لك بهذا البلد، نعم انتقد الجميع قدم مشروعاً يتجاوز الجميع ولكن هذا المشروع لا يمكن أن يكون إلا وطنيا حداثيا يتجاوز مثالب الوفد وعبدالناصر وأن مصر المأزومة اقتصاديا وسياسيا تحتاج أكثر من غيرها لنهضة كرامة وطنية تكون جزءا من قيم العالم الحديثة وتتفاعل معه نقديا لا أن تكون ذيلا له أو معارضة بالكلام الفارغ.

المصدر: صحيفة المصري اليوم

arabstoday

GMT 04:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف إطلاق النار

GMT 00:14 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حوارات لبنانية

GMT 06:52 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

صفحة جديدة

GMT 10:17 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

خطاب ترامب

GMT 05:30 2024 الأحد ,18 آب / أغسطس

الهدنة المرتقبة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوطني الحداثي الوطني الحداثي



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:33 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 العرب اليوم - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 20:14 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 العرب اليوم - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 03:23 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف

GMT 03:50 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض.. لغة قوية تنتظر التنفيذ

GMT 14:56 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أداة ذكية لفحص ضغط الدم والسكري دون تلامس

GMT 03:43 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة ليلاء؟!

GMT 22:52 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

سامباولي مدرباً لنادي رين الفرنسي حتى 2026

GMT 02:02 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يعلن أن إيلون ماسك سيتولى وزارة “الكفاءة الحكومية”

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مدربة كندا تفصل نهائيًا بسبب "فضيحة التجسس"

GMT 12:45 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة أنجولو لاعب منتخب الإكوادور في حادث سير

GMT 05:40 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

بايرن ميونيخ يتعرض لغرامة مالية بسبب الالعاب النارية

GMT 06:07 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون يعتزم حضور مباراة كرة القدم بين فرنسا وإسرائيل

GMT 20:35 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

العاهل البحريني يجتمع مع الملك تشارلز الثالث في قصر وندسور

GMT 22:44 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

غرامة مالية على بايرن ميونخ بسبب أحداث كأس ألمانيا

GMT 05:02 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات إسرائيلية تقتل 46 شخصا في غزة و33 في لبنان

GMT 20:55 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إلهام علي تكشف عن ملامح خطتها الفنية في 2025

GMT 17:27 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة على أطراف بلدة العدّوسية جنوبي لبنان

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي حاضرة في منافسات سينما ودراما 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab