بقلم : عمرو الشوبكي
لم تكن الجملة التى قالها محافظ بورسعيد بحق مواطن مصرى: «امسكوه ده إخوان» فى مواجهة مظاهرة إخوانية ولا فى لحظة القبض على خلية تحرض على العنف، إنما كانت عقب شكوى هذا المواطن من ارتفاع سعر السكر، فانتظرنا رداً له علاقة بالموضوع وبالشكوى، ولكن فوجئ الناس برد لا علاقة له لا بالموضوع ولا بالشكوى.
والحقيقة أن ما عبر عنه المحافظ لم يكن مجرد جملة عابرة ولا زلة لسان، إنما هو تعبير أمين عن نمط التفكير السائد حالياً الذى لا يناقش أى مشكلة، وبالتالى يحولها إلى أزمة ثم إلى كارثة بسبب إحالة كل مشكلة إما لمؤامرة عالمية ضد مصر أو مؤامرة إخوانية على البلاد.
ويقيناً هناك دول تختلف علناً مع نظامها السياسى، وفى أحيان أخرى تضع خططاً سرية لمواجهتنا، وهناك مخططات الإخوان فى مواجهه الدولة والشعب، ولكن كل ذلك يجب ألا ينسحب على ربط كل مشكلة لها علاقة بسوء الأداء واختيار المسؤولين بالإخوان أو المؤامرات الكونية.
أمام كل مشكلة تواجه مصر هناك دائماً محاولات مستميتة لصرف الأنظار عن حقيقتها وعن أى مناقشة جادة لأبعادها، لصالح شعارات «حنجورية» لا علاقة لها بالواقع ولا بالمشكلة، فهناك دائما قصف مركز فى اتجاه لا علاقة له بالموضوع المثار لصرف النظر عنه.
إن قضية الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، ورفع الدعم عن بعض السلع، هى قضية اقتصادية بحتة وليست نضالية (مثل تأميم قناة السويس مثلاً أو الحرب على الاستعمار) تحتاج إلى نقاش عام علنى، وإجراءات حماية تعوض المواطنين ولو جزئياً عن الأضرار التى لحقت بهم جراء الارتفاع الكبير فى الأسعار.
لم تتحدث الدولة عن بدائل وعن إجراءات حماية، ولكنها اهتمت بحملة دعائية رفعت فيها شعارات ركيكة من نوع «بالإصلاح الجرىء نختصر الطريق» وغيرها من الشعارات المتعلقة بالكرامة الوطنية، ونسيت أو تناست أن القضية هى فى تقديم سياسات بديلة تخفف على القطاع الأكبر من المواطنين وتشجع الاستثمار المحلى (الذى يطفش) والأجنبى (الذى طفش)، وتستعيد السياحة وغيرها من الإجراءات المتعلقة بإصلاح الأداء جراحياً، لا بتحويل قضية مهنية إلى قضية نضالية.
على طريقة امسك إخوان أو امسك تمويل أجنبى تصرفت الدولة بنفس الطريقة مع قانون الجمعيات الأهلية، فالشعارات كانت تقول إنها أصدرت قانوناً لمواجهة التمويل الأجنبى، والواقع العملى قال إن القانون ضد العمل الأهلى المحلى.
فالفارق بين الشعار والواقع كان فجاً، فقانون الجمعيات الأهلية أضر ضرراً بالغاً بالعمل التطوعى القائم على التمويل المحلى (اشتراكات وتبرعات)، ووضع قيودا تجعل مغامرة العمل التطوعى محفوفة بالمخاطر فى حين أنها لم تلغ التمويل الأجنبى.
رد المحافظ على شكوى المواطن البورسعيدى هو امتداد لنفس هذه الطريقة الكارثية فى التعامل مع مشاكلنا، فأزمة السكر وغيرها من السلع لا تحل باتهام الناس بالتهم الجاهزة التى تحاول أن تغطى على الفشل الحكومى وسوء الأداء. فلو كان محافظ بورسعيد يشعر أن شكوى أى مواطن هى ليست جزءاً من مؤامرة على مصر، وأن ارتفاع سعر السكر واقع يعيشه أغلب المواطنين، لكان رد فعله عكس ما فعله، فيقوم أولاً بالتحقق فى شكوى المواطن بأن سعر السكر يباع بـ14 جنيها لا اتهامه بأنه إخوان، والتحقق هو الحد الأدنى من عمل أى مسؤول نصف ناجح (أو نصف فاشل) لأن النجاح الكامل هو فى قدرته على حل المشكلة، أما ما شهدناه فلم يصل حتى لأداء مسؤول «النص نص» إنما هو الفشل الكامل.