مَن يفسر النصوص الدينية

مَن يفسر النصوص الدينية؟

مَن يفسر النصوص الدينية؟

 العرب اليوم -

مَن يفسر النصوص الدينية

بقلم : عمرو الشوبكي

تزايد الحديث عن مسؤولية بعض النصوص الدينية عن العمليات الإرهابية فى مصر وخارجها، واعتبر البعض أن هناك تفسيرات فقهية متطرفة ومناهج أزهرية تحرض على الإرهاب وتبث الكراهية.

يقينا لا توجد نصوص فى أى دين سماوى أو غير سماوى تدعو إلى قتل الغير أو الآخر الدينى، فنصوص الإسلام دعت إلى التسامح والرحمة مثلها مثل باقى الأديان، ولم تدعُ لقتال إلا «الذين يقاتلونكم».

ومع ذلك ظلت هناك سلسلة من المفاهيم التى راجت طوال العقود الأربعة الأخيرة من القرن الماضى، مثل مفهوم الولاء والبراء لأيمن الظواهرى، والجهاد الفريضة الغائبة لمحمد عبدالسلام فرج، وأيضا العمدة فى إعداد العدة لسيد إمام الشريف، وأيضا رسالة الإيمان لصالح سرية، ومعالم فى الطريق لسيد قطب، وهى كلها مثلت أساس ما اصطُلح على تسميته «الفكر الجهادى»، والتى ادَّعت جميعها الاستناد إلى نصوص دينية.

والسؤال المطروح: هل النصوص الدينية تُفسر تلقائيا دون وسيط بشرى؟ وهل هناك ملائكة يفسرون هذه النصوص أو يطبقونها دون الحاجة إلى هذا الوسيط البشرى، وبالتالى تكتسب قداسة لأن مَن يطبقونها ملائكة من السماء وليسوا بشرا من الأرض؟ الإجابة بالتأكيد لا.

والحقيقة أن النقاش المتطرف الذى روجه البعض حول مسؤولية النصوص الدينية عن الإرهاب وقع فى نفس خطايا الإسلاميين حين تعاملوا مع مشاريعهم السياسية باعتبارها مشاريع «ربانية» مستمدة من الدين ومن أحكامه، وبالتالى مَن يختلف معها يختلف مع الدين ويكفر، لأنها أسقطت الوسيط البشرى الذى يطبق هذه النصوص الدينية والأحكام من حساباتها، وبالتالى تجاهلت أن خطابها ينطبق عليها قانون النسبية والتحول والنقد، وليس مقدسات ومطلقات الدين.

والحقيقة أن نفس الأمر يتكرر مع التفسيرات والنصوص الحالية للدين، فهى موجودة معنا منذ قرون، فلماذا لم تُفرز جهاديين وتكفيريين فى العالمين العربى والإسلامى طوال العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضى مثلا، فلم يكن هناك تنظيم القاعدة ولا داعش، رغم أننا كنا بلادا محتلة، وكان مَن يقود التحرر الوطنى فى بلادنا هو جماعات وطنية وليست تكفيرية، فى حين أن بلادنا بعد الاستقلال ظهرت فيها هذه الجماعات التكفيرية، فلماذا حدث ذلك؟ هل لأنه كان هناك أمل وقدرة على الإنجاز عاشهما كثير من البلاد العربية حين كانت تناضل ضد الاستعمار وتنجز التحرر والاستقلال؟ هل ذلك نتيجة استبداد نظم ما بعد الاستقلال وفشلها؟ هل ذلك بسبب مؤامرات الخارج؟ ولماذا وجد الخارج تربة خصبة فى بلادنا لإنجاح مؤامراته ولم يجدها فى مرحلة سابقة؟

النصوص كانت واحدة وتفسيراتها تحولت تماما وانتقلت من حديث كامل فى الدين إلى حديث كامل فى الانتقام والثأر السياسى مُطعم ببعض القشور الدينية. صحيح أن النص الدينى ظل حاضرا كمبرر للقتل أو الانتحار، ولكن صانع الكراهية ودافع الإرهاب وتكفير المخالف لم يعد أولاً تفسيرا منحرفا للنص الدينى، إنما هو أساسا مظالم سياسية واجتماعية فى مصر، واضطهاد طائفى لقطاع واسع من السُّنة فى العراق، أو جرائم سياسية وطائفية ارتكبها النظام فى سوريا، فدفعت جزءا من السُّنة إلى الانضمام لداعش أو التواطؤ معه.

وحتى موضوع دواعش أوروبا تحدث عنه البعض بجهل نادر باعتباره دليلا على أن الإرهاب موجود فى ظل النظم الديمقراطية ولا علاقة له بالاستبداد. والحقيقة أن الإرهاب كما سبق أن كررنا سيبقى موجودا فى ظل كل النظم سواء كانت ديمقراطية أو استبدادية، ولكن الفارق فى الحجم والمساحة التى يشغلها، ففى أوروبا لم يسيطر الإرهابيون على مدن ولا أحياء مثلما هو الحال فى سوريا وليبيا والعراق، إنما هم قادرون على الإيلام والهرب.

والحقيقة أن دواعش أوروبا كانوا نتاج سياق مجتمعى عانوا فيه التهميش والعنصرية والفشل الدراسى والمهنى، كما أن تاريخ معظمهم لم يكن مع النصوص الدينية، إنما كان فى الملاهى الليلية ومع جرائم جنح حق عام وسرقات صغيرة وتجارة مخدرات.

الخلاصة أن النصوص خالدة، والبشر الذين يفسرونها متغيرون، واجتهاداتهم تجنح نحو التطرف أو الاعتدال تبعا للواقع الاجتماعى والسياسى المحيط، وأن كل ما يُطرح الآن حول تجديد الخطاب الدينى وتصحيح المفاهيم وتعديل مناهج الأزهر هى كلها أمور مرتبطة بحداثة المجتمع المصرى وتقدمه وليس مواجهة الإرهاب، فالمجتمع الذى لا تعتبر دولته أن قضية الاستثمار فى التعليم قضية أمن قومى وتروج لخطاب التجهيل كيف نتوقع أن يكون الأزهر وباقى المؤسسات الدينية فيه «واحة ليبرالية» وهو مجتمع يتعرض يوميا لحملات تجهيل مكثف؟!

إن إصلاح الأزهر وتجديد الخطاب الدينى أمر له علاقة بالتقدم وديمقراطية هذا البلد، أما موضوع الإرهاب فمسؤولية النصوص الدينية عنه منعدمة، أما مسؤولية بعض التفسيرات المنحرفة أو المتطرفة لبعض هذه النصوص فهى مؤكدة، ولكن يختلف حجمها من مرحلة لأخرى، وتطرح سؤالا اجتماعيا سياسيا: لماذا تطرف بعضنا الآن وليس أمس؟ ولماذا أصبح الإرهاب فى سيناء ظاهرة؟ ولماذا انتقل العنف ضد المسيحيين من حديث أهل الذمة فى السبعينيات- على يد تنظيمى الجهاد والجماعة الإسلامية، اللذين استحلا المال ولم يستحلا النفس، ورفضا بناء الكنائس، ولم يقبلا بمفهوم المواطنة- إلى إرهاب وقتل يستحل النفس والروح؟ الإرهابيون الجدد هم فى غالبيتهم الساحقة مارسوا الإرهاب نتيجة واقع اجتماعى وأفكار تركناها تترعرع حول ثأر وانتقام سياسى من الدولة وداعميها، صحيح أنهم بحثوا عن نص دينى يبرر العنف والإرهاب، وهذا أمر مختلف عن جهاديى القرن الماضى، الذى كان النص الدينى فيه هو صانع العنف وطريقهم لحمل السلاح لا الانتحار.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

arabstoday

GMT 04:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف إطلاق النار

GMT 00:14 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حوارات لبنانية

GMT 06:52 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

صفحة جديدة

GMT 10:17 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

خطاب ترامب

GMT 05:30 2024 الأحد ,18 آب / أغسطس

الهدنة المرتقبة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مَن يفسر النصوص الدينية مَن يفسر النصوص الدينية



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab