بقلم : عمرو الشوبكي
هى اللحظة الأصعب فى تاريخ أى أمة، وأى أسرة، أو عائلة، حين تنتظر عودة أحبائك لأنهم ذهبوا إلى مكان الأمن والسكينة، أى دور العبادة، فلا يعودون، بل يُقتلون فى لحظة غدر وخسة على يد مجرمين لا بشر.
فمهما حاول الجميع أن يخففوا من هول الفجيعة ويقولوا لأهلهم وذويهم إن هؤلاء الأطفال والنساء والرجال والصبية والشيوخ شهداء للوطن وشهداء للدين وشهداء للإنسانية، إلا أنهم فى النهاية لن يعيدوا أرواحهم التى ذهبت إلى خالقها، وذهبت معها أحلامهم الصغيرة، وبقى الألم والحسرة على فراق الأحباب.
لماذا المسيحيون مستهدفون أكثر من غيرهم حتى لو كان هناك أيضا مسلمون ورجال شرطة وجيش يسقطون شهداء ضحايا الإرهاب الغادر؟ نعم الآخر الدينى مستهدف أكثر من غيره فى كل تجارب التنظيمات التكفيرية والإرهابية فى العالمين العربى والإسلامى، وعلينا أن نعترف بذلك ونتعامل معه على أنه واقع حتى تكون إجراءات الحماية المجتمعية والأمنية للمسيحيين أكبر بكثير مما هى عليه الآن.
الإرهابيون يستهدفون كل مخالف لهم، أى من لا يتبع ملتهم الباطلة، سواء كان مسلما أو مسيحيا، سنيا أو شيعيا، حتى وصلت جرائمهم لحد تفجير مساجد فى الكويت والسعودية وباكستان لأن روادها من الشيعة، هل هؤلاء بشر؟ هل هؤلاء مسلمون؟ هل لهم علاقة بأى مشاعر إنسانية سوية؟
شهداء الكاتدرائية هم شهداء من نوع خاص، فهم ضحايا فكر ظلامى يكره المخالفين فى الدين والمذهب، وهم أيضا ضحايا خطاب الانتقام والكراهية الذى يبثه كثير من العناصر التكفيرية التى تتبنى خطاب المظلومية السياسية الذى روجوه عقب 3 يوليو واعتبروا أن المسيحيين هم مجرد كتلة واحدة تؤيد النظام القائم، والحقيقة أن دور المسيحيين فى 25 يناير و30 يونيو كان كبيرا، وهم فى غالبيتهم الساحقة رفضوا
حكم الإخوان وشاركوا قطاعا غالبا من المسلمين فى إسقاطه، باعتبارهم مواطنين مصريين شعروا بأن هويتهم الوطنية مهددة، وأن حكم المرشد هدد كيان الوطن بأكمله وليس فقط المسيحيين.
لم يسأل الإخوان أنفسهم لماذا أخاف حكمهم أغلب المسيحيين، بدلا من اتهام انتفاضة 30 يونيو باتهامات طائفية باطلة حتى يدفع المسيحيون ثمنا أكبر من المسلمين بعد أن دفعوا من قبل ثمنا باهظا بحرق الكنائس والاعتداء على الأبرياء فى مشهد غير مسبوق فى تاريخ مصر الحديث؟
المؤكد أن المسيحيين مثل المسلمين متنوعون فى آرائهم، ففيهم المعارضون والمؤيدون، وفيهم من يعانى من تمييز طائفى تزايد فى العامين الأخيرين على عكس ما توقع الجميع، ولم يحل هذا التنوع من تنامى خطاب كراهية يحرض كل يوم ضد المسيحيين وضد كل من أيد 30 يونيو ودافع عن دولته الوطنية العادلة العاقلة، لا الغاشمة ولا المستبدة.
المسيحيون مستهدفون أكثر من غيرهم، وعلينا أن نقول ذلك بشجاعة، ولا نكتفى بالقول الصحيح إننا جميعا مستهدفون من الإرهاب، وهو يجعلنا أمام واجب مضاعف لا يتعلق فقط بمواجهة الثغرات الأمنية، إنما أيضا فى مواجهة خطاب الكراهية الذى يستهدفهم أكثر من غيرهم، فمعركة مصر مع الإرهاب هى معركة طويلة وقاسية ولن نخضع فيها لابتزاز مهما كان حجم المصاب، إنما علينا أن نبحث فى أسباب الإرهاب ودوافعه المتعددة ومواجهته بخطاب سياسى يشتبك مع بيئة مجتمعية حاضنة تفرز إرهابيين جددا تأثراً بخطاب مظلومية وكراهية وانتقام يؤذى الجميع ويعمق جراح وطن بات مثخناً بالجراح والآلام.
رحم الله شهداء الكاتدرائية، وألهم أهلهم الصبر والسلوان.
المصدر: صحيفة المصري اليوم