بقلم : عمرو الشوبكي
قررت فرنسا الشهر الماضى منع الفتيات من ارتداء الحجاب أو غطاء الرأس فى المنافسات الرياضية باعتباره رمزا دينيًا لا يجب أن يكون موجودا فى الرياضة لأنه يمثل مساسًا بالعلمانية.
وقد جاء هذا الموقف الأخير كجزء من سلسلة إجراءات فرنسية كانت مبرراتها الحفاظ على النظام العلمانى من المظاهر الدينية وهى إجراءات غير موجودة فى أى بلد أوربى آخر.
فقد اعتبرت فرنسا أن توقف مباريات كرة القدم لدقيقة كى يفطر اللاعبون الصائمون مساسا بالعلمانية، رغم أنه أمر مقنن وطبيعى فى كل بطولات الدورى الأوروبية، كما هاجم قطاع واسع من النخب الفرنسية قيام أحد مطاعم الوجبات السريعة بالإعلان عن تقديم لحم حلال فى بعض المناطق التى يتركز فيها فرنسيون من أصول عربية واعتبروه معاديا للعلمانية، واضطرت الشركة أن تتراجع عن هذه الخطوة، ثم جاء إعلان وزير الداخلية الشهر الماضى بمنع الحجاب فى المنافسات الرياضية تحت حجة «تهديد العلمانية» وتصريحه الصادم: «يسقط الحجاب وعاشت الرياضة»، ليطرح السؤال كيف يمكن لبلد ديمقراطى كبير مثل فرنسا جانب مهم من قوته وحضوره العالمى مستمد من بريق نموذجه الثقافى ومن حيوية نموذجه السياسى ودمجه فى ثنايا مجتمعه أعراقا وجنسيات كثيرة وقدم مبدعين فى كل المجالات أن يصل به الحال أن يتحدث مسؤول كبير وأحد الأسماء المرشحة لخوض انتخابات الرئاسة فى 2027 بهذه الطريقة، ويقول علنا فى مؤتمر صحفى «يسقط الحجاب».
فى أوروبا وفى كثير من دول العالم هناك من يرفض الحجاب أو لا يحبه، ولكن لا أحد فى أوروبا يعتبر أن نظامه السياسى ومنظومة قيمة الثقافية مهددة إذا قررت فتيات بمحض إرادتهن ارتداء غطاء رأس أو حجاب، حتى وصل الأمر لأن دعت زعيمه أقصى اليمين مارين لوبان (أدينت مؤخرا بتهم فساد) أن قالت يجب منع ارتداء الحجاب فى الشارع والمواصلات العامة!!.
لا أحد يختلف عن أن فصل الدين عن الدولة موقف أصيل وثابت لكل العلمانيات والدول المدنية فى العالم، ومنع المظاهر الدينية من المؤسسات العامة والحكومية خصوصية فرنسية مقبولة، كما أن القلق من الهجرة والإعلان عن برامج لترحيل المهاجرين غير النظاميين أمر مفهوم فى ظل تزايد قوة وتأثير أحزاب اليمين المتطرف التى استثمرت بالحد الأقصى فى مشاكل الهجرة والمهاجرين، أما الخلل الكبير فهو هذا الانشغال بدقيقة لإفطار صائم فى مباراة كرة أو الانحراف عن هدف المساواة بين الجنسين الذى تكون أحد مظاهره هو دعم الرياضة للجميع، فيتم ترك الجوهر وهو حرص النساء مثل الرجال على ممارسة الرياضة والتمسك بالمظهر والزى الخارجى واعتباره يهدد العلمانية.
من حق فرنسا أن تختار تنظيم المؤسسات العامة وفق قوانينها ومنظومة قيمها الثقافية، أما أن تدخل فى المجال الخاص بهذه الطريقة فهو أمر ضار بالجميع.