عمرو الشوبكي
إجمالًا، التخمة غير مطلوبة فى الشهر الكريم، والتخمة فى الطعام غير مطلوبة دينيًّا وصحيًّا، والتخمة فى المسلسلات أشد ضررًا على الصحة العقلية والنفسية من «التخم الأخرى»، خاصة إذا حمل الكثير منها موضوعات مكررة وقدم العنف والبلطجة كرسالة يجب أن يعتمدها المجتمع.
هناك تخمة فى أعداد المسلسلات، حيث لا يمكن لأى عاطل أن يشاهد نصفها إلا إذا جلس ٢٤ ساعة أمام التليفزيون دون نوم أو عمل، كما أن التخمة لم تقتصر على أعداد المسلسلات، إنما امتدت إلى الإعلانات التى سيطرت على كل البرامج والمسلسلات، حتى زاحمت الأذان، وحلت مكان القرآن الكريم، الذى صرنا نسمعه نادرًا قبل المغرب والفجر.
ليس مطلوبًا أن تغيب المسلسلات عن شهر رمضان، ولا أن تختفى الفوازير التى تابعها جيلى لسنوات طويلة قبل أن تغيب، إنما المطلوب ألا نعيش ثقافة التخمة والجرعة الزائدة التى تؤثر سلبيًّا على قيم شهر الصيام فى المحبة والتقرب إلى الله.
المؤكد أن بعض هذه المسلسلات جيد، وبعضها الآخر يتابعه الكثيرون ويحدثونك عن تفاصيلها وكأنها جزء من حياتهم الشخصية، وهناك مَن طوى صفحة المسلسلات منذ سنوات، ووضع حاجزًا بينه وبين ما تقدمه الفضائيات من برامج ومسلسلات.
والمؤكد أن هناك مَن يتقبل «تخمة رمضان» وتخمة الإفطار والسحور وتخمة المسلسلات والإعلانات، وهناك مَن لا يشاهدها ولا يستجيب لها، وهناك مَن يتفاعل معها بقدر ويشاهد بعضها ويرفض بعضها الآخر.
ورغم تراجع أعداد المسلسلات فى السنوات الأخيرة، فإن أعدادها تظل كبيرة للغاية لأنها تقدم فى شهر واحد، ويبقى السؤال: هل كل المسلسلات تربح أو معظمها، خاصة فى ظل منافسة شرسة مع مسلسلات عربية وتركية ومكسيكية؟. الحقيقة، نحن فى حاجة إلى إجابة شفافة عن حصيلة برامج رمضان، خاصة بالنسبة للفضائيات المصرية.
نحن بحاجة إلى تصور مختلف للتعامل مع شهر رمضان الكريم، وهناك مهمة على الدولة فى بث قيم دينية وأخلاقية فى هذا الشهر الكريم تساعد المجتمع على التخلص من بعض سلبياته، وتستدعى من الدين الإسلامى قيم الصدق والعمل والخير، لا أن يترك المجتمع فريسة لقيم استهلاكية تردد مقولة «الجمهورعايز كده»، وهو أمر غير صحيح، فلا السوق ولا الجمهور «عايزين بالضرورة كده»، إنما هم ينتظرون رسالة مختلفة تحمل قيمًا إيجابية فى الشهر الفضيل دون فرض أو إجبار من أحد.
إن «الرسالة الأخرى» والبرامج الثقافية ومناقشة الأعمال الدرامية وفق تقييم فنى وليس من خلال لبس فلانة وكلام علانة وتقديم البرامج الدينية بشكل عصرى وجدلى، كل ذلك مطلوب تعزيزه دون أن يعنى ذلك إلغاء المسلسلات، إنما يُترك للجمهور حق الاختيار، وسنجد أن أغلبه «سيكون عايز» النقاش الثقافى والمسلسلات الاجتماعية والسياسية، التى تناقش بحرية أوضاع المجتمع الحقيقية، وسيبقى بالطبع هناك جمهور للمسلسلات التجارية الهابطة.