بقلم : عمرو الشوبكي
الحديث عن إعطاء الجنسية المصرية مقابل وديعة مالية هو كارثة مكتملة الأركان، ليس فقط بسبب ما يمثله هذا الاقتراح من إهانة غير مسبوقة للشعب المصرى، إنما يدل على جهل تام بكيفية التعامل مع قضية الجنسية، حتى فى البلاد الغنية والمتقدمة التى يسعى ملايين الناس للحصول على جنسيتها.
لم يحدث بدولة واحدة غنية أو فقيرة، شمالية أو جنوبية، عربية أو غربية، أن ربطت جنسيتها بوديعة مالية، إنما وضعت مجموعة من الشروط الصعبة (خاصة فى الفترة الأخيرة) من أجل الحصول على جنسيتها، وهى أمور يمكن الاستفادة منها فى مصر، ولو على نطاق محدود، لأن مصر بوضعها الاقتصادى والسياسى الحالى مازالت للأسف غير جاذبة للهجرة وطلب الجنسية، إنما هى طاردة لها، ويسافر عشرات الآلاف من أبنائها كل عام للبحث عن فرص عمل، بل حتى استثمارات خارج الحدود، وبالتالى لا يمكن أن نعتبر الجنسية المصرية جاذبة لكثيرين مثلما يجرى فى الدول المتقدمة.
ومع ذلك، ورغم ظروفنا الاقتصادية والسياسية الصعبة، فالجنسية المصرية يمكن أن تكون مطلوبة للبعض، ولكن يجب أن يكون مسار الحصول عليها لا علاقة له بأموال تُدفع، ولا ببيع وشراء، فالجنسية مقابل وديعة مالية هى مثل زواج ثرى عربى من فتاة مصرية من عمر أبنائه، وهى عملية «بيع مقنن»، فى حين أنه فى يدنا أن نجعلها مثل الزواج الشرعى والقانونى بين رجل وامرأة متقاربين ومتفاهمين، لا يوجد فيها بيع للجنسية ولا بيع للعِرض.
والحقيقة أن الجنسية لا تُعطى تلقائيا لأى شخص يطلبها، ولو بمال الدنيا، إنما هى رحلة طويلة نسبيا تبدأ بأن يقيم طالبها فترة فى البلد المضيف، أو يتزوج أحدا من أبنائه، أو يستثمر مالياً فيه، أو يعمل بشكل منتظم، وعندها يحصل أولاً على إقامة سنوية، ثم إقامة دائمة (فى فرنسا مثلا الإقامة الدائمة مدتها عشر سنوات)، ثم بعد ذلك يحصل على جنسية البلد المضيف.
فى مصر لا يوجد نظام الإقامة الدائمة أو الطويلة لغير المتزوجين، والذى يمثل أول اختبار حقيقى لطالبى الجنسية من أجل الحصول على جنسية البلد المضيف، وهى يمكن أن تمثل اختبارا آخر لجدية أصحاب الأموال والمستثمرين، الذين فى حال ثبتت جديتهم وولاؤهم للبلد المضيف يحصلون على جنسيته.
القضية ليست فى «كومة مال» تُدفع مقابل الحصول على الجنسية المصرية، فهو أمر صادم وعار علينا جميعا، فمهما كانت حاجة مصر للأموال وللعملة الصعبة فإن فى يدها أن تبحث عن استثمارات حقيقية تشغل الناس وتجلب العملة الصعبة، لا أن يبحث لها البعض عن وديعة مالية وفق ثقافة المنح والعطايا التى تأتى بلا جهد ولا عمل ولا ابتكار كنوع من الاستسهال البليد لحل مشاكلنا الاقتصادية.
علينا ألا نخترع العجلة فى أمور مستقرة فى كل بلاد الدنيا، وأن ندرك أن الجنسية لا تُعطى فى أى بلد مقابل المال، فهو العار بعينه، إنما علينا أن نقول مثلا إنه فى حال مصر ستكون أولوية إعطاء الجنسية لأصحاب رؤوس الأموال (وليس للعمالة، لأننا بلد مُصَدِّر للعمالة)، وهنا يجب أن يكون ذلك عقب فترة إقامة طويلة، وعقب دورة حقيقية لرأس المال تساهم فى إنعاش الاقتصاد المصرى بشكل حقيقى، عندها تكون الجنسية واردة وغير مرتبطة بأى وديعة مالية.