بقلم : عمرو الشوبكي
اجتمع أمس وأمس الأول أعضاء «الحوار السياسى الليبى» فى تونس، برعاية الأمم المتحدة، لمناقشة آخر تطورات الأزمة الليبية، وهى ليست المرة الأولى التى يجتمع فيها فرقاء الساحة السياسية الليبية فى مدن عربية وأجنبية إلا مصر، فقد استضافت مدينة الصخيرات المغربية العديد من اللقاءات التى ضمت ساسة ليبيين من كل الأطياف، وكذلك تكرر الأمر فى الجزائر وتونس، وغابت مصر عن أى حوار سياسى تقريبا فى كل الساحات العربية.
ورغم أن هذا الحوار غير مرشح أن يقدم حلولا ناجعة للأزمة الليبية، إلا أن تكرار هذه الفعاليات فى كل بلاد المغرب العربى، واختفاءها من مصر المجاورة والشقيقة، واكتفاء الأخيرة بدعم حفتر عسكريا دون أن تمتلك أى أدوات سياسية للتواصل مع أطراف الساحة الليبية وغير الليبية (إلا عبر الأجهزة الأمنية) التى اعتادت أن تقترب بمفردها من هذه الملفات.
والحقيقة أن سلسلة المفاوضات الفاشلة التى دخلتها الأطراف السياسية الليبية تجعل لمصر فرصة حقيقية للدخول فى مساحة تخصها ودافعت عنها عقب 30 يونيو وتختلف عن الاقتراب الغربى الذى فشل فى حل الأزمة الليبية نتيجة تجاهله التام لأولوية بناء الدولة الوطنية الليبية بالتوازى مع أى مفاوضات سياسية.
ولعل فشل مفاوضات الصخيرات، التى جرت فى شهر سبتمبر من العام الماضى، دليل على أن الأزمة الليبية تحتاج لتفعيل رؤية أخرى تبنتها مصر فى فترة وعجزت عن فرضها ولو على طاولة المفاوضات، نتيجة قصور أدواتها السياسية، وتقوم على إعطاء الأولوية لفكرة بناء الدولة أولاً.
معضلة المفاوضات الليبية أنها مسار مستمر من التعثر، لأن هناك طرفا يرفض إعادة بناء الدولة الليبية مرة أخرى، لأنه يعتبر أنها قد تفتح الباب للديكتاتورية، وأن جيش حفتر فى حال تمكنه سيفرض ليس فقط سيطرته العسكرية إنما أيضا السياسية، وسيفتح الباب أمام عودة حكم عسكرى آخر فى ليبيا، نظرا لانقسام القوى السياسية وغياب الثقافة الديمقراطية، وأن من يملك السلاح سيحكم البلاد.
وسيظل هذا التخوف الذى عبرت عنه بعض التيارات المدنية فى ليبيا، خاصة فى أوساط حكومة السراج، معضلة ليبيا الكبرى، فالبلد مختطف أجزاء منه على يد تنظيم داعش الإرهابى وحلفائه الذين ليس لديهم مشروع إلا بقاء ليبيا فى حالة الفوضى الكاملة، وهو ما يعطى مشروعية مؤكدة لحفتر والجيش الوطنى الليبى، ويجعل تخوفات البعض من حكم عسكرى أمرا ليس له صدى لدى القطاع الغالب من المواطنين الذين اكتوا بنار الإرهاب.
وطالما لم يدعم المجتمع الدولى أولاً مشروع بناء الدولة فى ليبيا لتكون حاضرة قبل أى مفاوضات بين الأطراف الليبية، ويحسم موقفه من الجماعات الإرهابية ويضع الضمانات والقواعد لكى تكون هذه الدولة فى ظل حفتر أو غيره قابلة للانتقال الديمقراطى، ويضمن عدم العودة لدولة القذافى الكارثية، ويعترف بأن القادم الفورى لن يكون دولة ديمقراطية، إنما ستكون دولة أولاً وقابلة للتحول الديمقراطى ثانيا، وهى أمور كان يمكن لمصر أن تدافع عنها ليس فقط بالشعارات، إنما بطرحها على طاولة المفاوضات.
لن تستعيد ليبيا عافيتها إلا بمشروع إعادة بناء الدولة الوطنية فى ليبيا، وتلك كانت رسالة مصرية مهمة، ولكنها خفتت بسبب سوء الأداء الداخلى واعتماد الخيار الأمنى بديلا عن أى مبادرات سياسية مؤثرة.