بقلم : عمرو الشوبكي
المؤتمر الصحفى الذى عُقد أمس الأول فى البيت الأبيض بين الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون ونظيره الأمريكى دونالد ترامب كان كاشفًا لفروقات كبيرة فى طريقة وأداء كلا الرئيسين، ليس فقط فى المجال السياسى، وإنما أيضًا فى جوانب ثقافية.
وعادة ما يُقال إن المدرسة الأنجلوسكسونية فى التفكير (بريطانيا وأمريكا) تتجه مباشرة نحو الموضوع (To the point)، ولا تلف ولا تدور أو تطرح مقدمة طويلة فى الفكر أو الثقافة كما تفعل عادة المدرسة الفرنكوفونية (فرنسا).. وهذا ما جرى فى جانب من المؤتمر.
ورغم أن كثيرين يعتبرون أن سلبيات حكم الرئيس الفرنسى أكثر من إيجابياته، إلا أن أداءه فى هذا المؤتمر كان جيدًا، وقدم حججًا قوية فى مواجهة الرئيس الأمريكى، ولم يتخلَّ عن المقدمة الفرنسية فى بداية كلمته حين تحدث عن الثورة الفرنسية، وكنيسة نوتردام الشهيرة فى باريس، وعن تاريخ الصداقة الفرنسية- الأمريكية، وعن التحالف القوى بين البلدين فى الحرب العالمية الثانية (كان فى الحقيقة قيام القوات الأمريكية بتحرير فرنسا من الاحتلال النازى)، وهى مقدمة استمع لها ترامب باستغراب، وكأن هذا الكلام جاء من عالم آخر رغم معرفته السابقة بالرئيس الفرنسى.
أما ترامب فقد دخل فى الموضوع مباشرة، ولكن بلغة رجل الأعمال أو التاجر، كما هى العادة، فقد بدأ كلامه بالحديث عن الأموال التى دفعتها أمريكا لأوكرانيا وقال إنها ٢٠٠ مليار دولار، على عكس أوروبا التى أقرضتها أموالًا ستأخذها بعدها.. مما دفع الرئيس الفرنسى إلى مقاطعته بالقول إن ٦٠٪ مما دفعته أوروبا لأوكرانيا لن يرد، وحذر ترامب من إظهار الضعف أمام بوتين.
ومع ذلك، رفض ترامب وصف الرئيس الروسى بالديكتاتور، وقال: «لا أستخدم هذه الكلمات باستخفاف»، وأكد أننا نستطيع إنهاء الحرب فى غضون أسابيع «إذا كنا أذكياء»، وإلا فسوف نستمر فى فقدان الشباب الذين ينبغى ألا يموتوا.
وتعرض ترامب للقضية الأصعب فى هذه الحرب، وهى التنازل عن الأراضى الأوكرانية لروسيا، فقال: لقد تم الاستيلاء على الكثير من الأراضى، وسنرى كيف ستسير الأمور فى المفاوضات، وليس من السهل أن تسأل عما إذا كان بإمكانك استعادة الأرض التى فقدوها أم لا، «ربما بعض منها».
إن موقف ترامب من هذه الحرب فيه بعض الوجاهة (تحديدًا موقفه من زيلينسكى)، لكن فى جوهره هو امتداد لموقفه الذى ينحاز فيه للأقوى، فكما قال روسيا سيطرت على بعض أراضى أوكرانيا لأنها أقوى، وهو يدعم إسرائيل لأنها أقوى، وهو رجل يفهم أساسًا لغة القوة والمال.
يبقى أن طرح الرئيس الفرنسى بشكل واضح وعلنى وجهة نظر مخالفة للرئيس الأمريكى لا يأتى إلا من رئيس لبلد ديمقراطى، نظامه السياسى مستقر، ويتمتع بقوة اقتصادية، حتى لو كانت هناك ملاحظات كثيرة على أداء هذا الرئيس.