بقلم : عمرو الشوبكي
المشهد المهيب لعودة عشرات الآلاف من النازحين الفلسطينيين إلى ديارهم المهدمة فى شمال غزة أكد ليس فقط على صلابة هذا الشعب إنما أيضا على تمسكه بالبقاء فى أرضه رغم ما تعرض له من جرائم إبادة جماعية ومحاولات تهجير.
إن الحرب على غزة ومشاريع تهجير الفلسطينيين ليست جديدة، إنما هى موجودة فى أدبيات صهيونية قديمة عن «الوطن البديل» ودعمها ترامب بحديثه فى ولايته الأولى عن «صفقة القرن» ثم عاد وأكد كلامه مرة أخرى بالحديث عن تهجير مليون فلسطينى من غزة إلى مصر لأنه يعتبر أن إسرائيل صغيرة المساحة وعليها أن تضيف للأراضى التى تحتلها أراضى أخرى.
والحقيقة أن خطة ترامب التى أعلنها الرئيس الأمريكى من طرف واحد، غيبت لأول مرة فى تاريخ أى تسوية فى العالم أحد أطراف الصراع، وهو مشهد لم نعرفه منذ مبادرة الرئيس الراحل أنور السادات ١٩٧٧وحتى اتفاق أوسلوا فى ١٩٩٣، فلنا أن نتخيل أن يقرر الأمريكان والإسرائيليون التفاوض مثلا باسم مصر أو باسم أى دولة أخرى ودون حضور هذه الدولة وهو ما حدث مع السلطة الفلسطينية التى باتت أمريكا تقرر مستقبلها دون أخذ رأيها رغم أنها نظريًا مازالت الممثل الشرعى للشعب الفلسطينى.
يقينا هناك أسباب كثيرة أمام تراجع هدف بناء الدولة الفلسطينية منها بالطبع السياسات الاستعمارية للدولة العبرية والحصانة الدولية التى تعطيها لها الولايات المتحدة لجرائمها وخاصة ما جرى مؤخرا فى غزة، ولكن أيضا الضعف العربى والانقسام الفلسطينى الذى تكرس بسيطرة حماس على غزة والسلطة على الضفة الغربية.
والحقيقة أن خطة ترامب خطورتها ليست فقط أنها تدعو لتصفية القضية الفلسطينية ولا أنها تحمل تصورا وهميا بأن غزة يمكن أن تكون دبى فى ظل وجود الاحتلال، إنما هى تعنى أن الرجل غير مقتنع من الأصل بحل الدولتين الذى يتطلب انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية لا تهجير الفلسطينيين ودعم احتلال إسرائيل لأراض جديدة بدلا من انسحابها من تلك التى تحتلها.
العامل الحاسم الذى سيفشل مشاريع ترامب هو صمود الشعب الفلسطينى والتضحيات الكبيرة التى دفعها لكى يبقى فى أرضه، وأن العودة المهيبة للنازحين إلى ديارهم ومناطقهم المهدمة فى شمال غزة هى خير دليل على التمسك بالأرض.
سيبقى خطر هذه المشاريع قائما ليس فى صورتها الأولى التى طرحها ترامب بتهجير مليون فلسطينى، إنما بتحقيقها على مراحل وبشكل جزئى، وذلك بدفع ٢٠٠ أو ٣٠٠ ألف لمغادرة شمال غزة فى حال استأنفت إسرائيل عدوانها بعد انتهاء المرحلة الثانية واستردادها لكل أسراها، بحيث تضع قطاعا من الشعب الفلسطينى تحت ضغط جرائم القتل والإبادة الجماعية.
سيبقى صمود الشعب الفلسطينى وبطولاته حائط الصد الأساسى بشرط الاستمرار فى دعمهم فى مواجهة هذه المخططات الشريرة.