بقلم -عمرو الشوبكي
سعادة المصريين بحفل نقل عربات المومياوات الملكية من المتحف المصرى إلى متحف الحضارة كبيرة، فقد شاهدوا عملًا قام عليه فنانون كبار، وأُعطى فيه «العيش لخَبّازه»، فكان هذا العمل المتقن الكبير.
قدم الفنان هشام نزيه موسيقى أكثر من رائعة، كما كان أداء المايسترو نادر عباسى ممتازًا ومليئًا بالمشاعر والأحاسيس، ومعه عازفون على قدر استثنائى من الموهبة والإبداع.
كما كانت الأزياء متقنة، وليست فيها مساحة للفهلوة «والتاتش» الشهير، الذى يفسد كثيرًا من أعمالنا الفنية، وخاصة المسلسلات.
وجاء اختيار الفنانين خالد النبوى والملك محمد منير وأميرة سليم ونيللى كريم وهند صبرى متميزًا، ومعهم معظم الفنانين.
والحقيقة أن اختيار الفنانة الموهوبة هند صبرى (التونسية المصرية) للمشاركة فى هذا العمل، ولو لمدة قصيرة، رسالة فى وجوه هؤلاء، الذين يتصورون أن حب مصر يتطلب إلغاء هويتها التونسية، فى حين أن الإضافة الحقيقية للثقافة المصرية والعربية تأتى أيضًا من مبدعين لديهم أصول غير مصرية يعتزون بها (كما هو حال هند) ويسهمون فى إثرائها وتوهجها كما جرى طوال العقود الستة الأولى من القرن الماضى.
والحقيقة أن الهجوم الذى تعرضت له هو «طفح» لمرض التراجع والانغلاق، وتناسوا أن آخر مكان لديه جاذبية نسبية عابرة للحدود هو الفن، فمصر ليست دولة خليجية جاذبة للعمالة، ولا للعلماء ولا للأطباء، إنما مازالت تجذب بعض الفنانين العرب، الذين لم يشعروا للحظة أيام فايزة أحمد وفريد الأطرش ووردة الجزائرية (وآلاف غيرهم) أنهم مطالبون بأن يدخلوا فى امتحان لكى يختاروا فيه بين بلدهم الأصلى ومصر.
وقد أبدع المخرج فى نقل الحدث من أكثر من مكان، وفى نفس التوقيت من الأقصر إلى الأهرام، وبإضاءة مبهرة، وخلفيات راقصة بديعة.
أما الانتقادات فسأشير إلى اثنين منها، أحدهما لم أقتنع به، وردده البعض، وهو يتعلق بغياب الناس فى الطرقات التى عبَرت فيها عربات الملوك، والحقيقة أن نقل مومياوات لملوك قدماء لا علاقة له بنقل رفات زعيم معاصر إلى مقبرة خاصة يحتاج أنصاره أن يصطفوا على جانبى الطرقات ليروه، أما الثانى، فأتفق معه، وهو عدم وجود مبرر لوضع أغانٍ وطنية لتقطع عزف الأناشيد والترانيم البديعة، التى قدمها العازفون بكل موهبة وإحساس، وأراه خارج السياق والعمل الفنى.
العمل المتقن يحمل فى ذاته معانى وطنية دون الحاجة إلى أغانٍ وشعارات، فما بالنا إذا كان ليس فقط عملًا متقنًا، إنما مبدع وعظيم ومؤثر.
العمل فى النهاية بديع، والأسئلة التى يثيرها البعض حول أوضاعنا الحالية وأين نحن من حضارتنا القديمة هى أسئلة مشروعة، ولكنها خارج سياق العمل الفنى، فلا يجب حين نبدع فى عمل فنى أو رياضى أو هندسى- وجايز فى يوم علمى- أن نهيل عليه التراب بالاسترسال فى الحديث عن المشاكل، مع أن لكل مقام مقالًا.
مبروك علينا هذا العمل الرائع الكبير