بقلم - عمرو الشوبكي
يجب عدم التعامل مع مشكلة فوضى الشوارع فى مصر من مرور ونظام سير وبناء على أنها قضية فرعية، أو إنها ترجع لنقص وعى الناس، إنما يجب التعامل معها بجدية أكبر واعتبار مواجهتها بالعدالة والقانون أحد شروط تقدم هذا البلد، ولا تقل خطورة عن أى أزمة اقتصادية أو سياسية كبيرة تواجهها مصر.
ورغم قيام الدولة بوضع أجهزة رادار فى كثير من الشوارع والميادين فى محاولة لوضع حد لعدد من المخالفات المرورية، أبرزها السرعة الزائدة، إلا أنه يجب عدم الاعتماد عليه فقط لمواجهة الفوضى فى الشوارع حتى لو كان أحد المصادر السهلة لتحصيل المخالفات.
إن انتشار الرادارات فى الشوارع على أهميتها، إلا أنها لن تستطيع مواجهة معظم صور الفوضى فى الشوارع المصرية إلا بإعداد رجال إنفاذ القانون بصورة مهنية وقانونية صارمة وإعطائهم صلاحيات لتنفيذ القانون على الجميع دون استثناء.
لازلنا حتى اللحظة نشاهد تراجعًا فى أعداد إشارات المرور وتعطُّل كثير منها، وإذا لم يكن هناك شرطى أو كاميرا، فنادرًا ما يتم احترامها، كما لا توجد محطات للباصات إلا موقف البداية والنهاية، حتى باتت مصر من البلدان النادرة فى الكوكب التى لا توجد فيها محطات محددة لطرق الباصات الداخلية، رغم أنه حتى عقدين من الزمان كانت موجودة.
أما «الميكروباص» فلم يعرف منذ ظهوره محطات أصلًا، إنما الوقوف والسير فجائى وحسب مزاج السائق ودون أى قواعد، حتى أصبح «السلوك الميكروباصي» من غشم وعشوائية مميتة واستهانة بأرواح الركاب مهيمنًا على الشارع.. وهو أمر لم يواجه بأى ردع قانونى حقيقى؛ لأن الرادار لا يرصد هذا النوع من المخالفات، وتحولت الشوارع والميادين إلى مرتع حقيقى لسائقى الميكروباص دون حسيب أو رقيب.
فوضى الميكروباص تكاثرت لتنجب «التكاتك»، وهى وسيلة مواصلات يمكن قبولها، لو قُنن وضعها ورَخصَّتها الحكومة، رغم أن عددها اقترب من ٦ ملايين عربة وصارت مصدرًا للفوضى والعشوائية والشجار اليومى، وبالطبع الرادار لا يرصدها لأنها غير مرخصة ولا تسير أصلا بسرعة كبيرة، رغم أنها مصدر حقيقى لنشر الفوضى والعشوائية.
مطلوب أولًا محاسبة مَن يسير عكس الاتجاه، ومَن يضع أسياخا حديدية يخرج نصفها من سيارته، قبل أن نحاسب من يلقطه الرادار لسرعة زائدة 5 أو 10 كيلومترات، فالرادار جماد «يلقط» أنواعا محددة من المخالفات ولا يهتم بتفاصيل الصورة ولا يواجه التسيب الحقيقى فى نظامنا المروى، إنما هو يحسن «على الوش» جانبا محدودا من معادلة الفوضى المرورية؛ وهى السرعة، وترك الجوانب الأخرى على حالها.. لذا لم يشعر الناس بالتحسن المطلوب.
يجب عدم التعامل مع قضية فوضى السير فى شوارعنا باعتبارها قضية هامشية، إنما العكس تماما، فهى أحد شروط التقدم؛ لأنها ستعنى اختبارا مهما لتطبيق القانون على الجميع.