بقلم -عمرو الشوبكي
فى البلاد المتقدمة والديمقراطية، هناك عقوبات تُطبق على العنصرية والتنمر، ولذا يفكر أى متطرف أو فاشل ألف مرة قبل أن يعلن هذا السلوك القبيح.فلم نسمع مثلًا عن حملة قام بها لاعبون فرنسيون بيض ضد زملائهم من الأصول الإفريقية، لأنهم يمثلون منتخب فرنسا بدلًا منهم (فى بعض الأوقات كانوا 10 من 11)، ولم يقولوا لهم إن نهائى كأس العالم الذى فازت به فرنسا مرتين مناسبة قومية كبرى لا يجب أن يشارك فيها إلا الفرنسيون البيض، أو أن اختيار المدرب الفرنسى (الأبيض) فرنسيين من أصول إفريقية لتمثيل المنتخب لم يُثر رفض باقى اللاعبين لأنهم يعلمون أنهم الأكثر موهبة والأنسب، وأنهم أيضًا لو مسّوهم بأذى ولو لفظيًا فسيقعون فورًا تحت طائلة القانون.
ونفس الأمر فى احتفالات الثورة الفرنسية (14 يوليو) التى يشارك فيها فرنسيون من كل الأعراق، ومقبرة العظماء لم تعد تضم فقط «فرنسيين بيض»، ولا أحد يمكن أن يتكلم عن الفن أو البحث العلمى، فهى مهن بحكم التعريف والطبيعة عابرة للحدود والثقافات، لأنها تقدم الموهبة والكفاءة على أى معايير أخرى.
الحقيقة أن الحملة التى قادها بعض محدودى الموهبة (منهم من يسمون فنانين) تجاه فنانة تونسية مصرية لأنها شاركت فى حفل نقل المومياوات ترجع أولًا لغيرتهم منها، لأنها أكثر موهبة وقبولًا، وثانيًا، وهو الأخطر، لأنهم يعرفون أن التنمر والعنصرية بحق أى مواطن غير محصن متاحة، ولن يحاسب عليها.
والحقيقة أن القضية لا تخص أسماءً بعينها، إنما هى أزمة مجتمعات لا تعير أى اهتمام لمسألة الموهبة والكفاءة فتبدأ فى البحث عن «حجج البليد»، فهذا «مش ابن ناس»، وهذا ليس عنده واسطة، وهذا صعيدى، وهذا شاب، وهذه ست، وهذا كَبر فى السن، وهذه مش مصرية.. إلى غيرها من المفاهيم البالية التى تقول إن كثيرين فى هذا المجتمع تجاهلوا قيمة الموهبة فى كل المجالات وحاربوها.
معروف أن تنمر الكثيرين بحق المختلفين فى العرق والجنس واللون والخلفية الاجتماعية يرجع، ليس فقط لتعصبهم، إنما أيضًا لفشلهم و«خيبتهم الثقيلة».
اللافت أن مصر ليست بلدًا متقدمًا فنقول إنه مصدر جذب للعلماء والأطباء والمهندسين، بل هى من البلاد الطاردة لهم، كما أنها ليست دولة ثرية نفطية يسعى ملايين العمال عبر العالم للعمل فيها من أجل تحسين دخولهم، ولم يكن لها تقريبًا إلا الفن، الذى كان منذ العشرينيات نقطة جذب لكثيرين منهم عاشوا وماتوا على أرضها، ولم يطالبهم أحد بأن يختاروا بين مصر ووطنهم الأصلى.
ومع تراجع تأثير الثقافة المصرية والفن المصرى على يد محدودى الموهبة عديمى الإبداع، بدأت حملات التنمر على القلة القليلة من الفنانين العرب الذين اختاروا أن يعيشوا فى مصر التى أضافوا لها الكثير كما أضافت لهم. وهى مسألة حان وقت إنهائها ولو بالقانون