بقلم - عمرو الشوبكي
حل الدولتان الذى أقرته الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية، وينص على حق الفلسطينيين فى بناء دولتهم المستقلة فى الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، هو الحل الذى أجهضته إسرائيل على مدار 30 عاما منذ التوقيع على اتفاق أوسلو عام 1993 ببناء عشرات المستوطنات فى الضفة الغربية قضت على أى تواصل بين المدن والبلدات الفلسطينية، وبدلا من أن تتحول مناطق الحكم الذاتى إلى دولة فلسطينية بات 40% منها مسيطرا عليه من قبل قوات الاحتلال.
ويمكن القول إن إسرائيل باعتبارها دولة استثناء فوق القانون الدولى والشرعية الدولية أجهضت عمليا حل الدولتين ناهيك عن سياسات القتل والتهجير التى تعرض لها الشعب الفلسطينى بصورة ساعدت على نمو كثير من الأفكار المتشددة التى لا ترى أى جدوى من التسوية السلمية بعد أن قضت إسرائيل عن حل الدولتين.
صحيح أن هناك أسبابا متعددة لعجز المجتمع الدولى والأمم المتحدة على تحقيق هدف بناء الدولة الفلسطينية منها أساسا السياسات الاستعمارية الإسرائيلية والحصانة الدولية التى تعطيها لها الولايات المتحدة، ولكن أيضا الضعف العربى، والانقسام الفلسطينى الذى بات عنوانه سلطة فى الضفة الغربية تسيطر إداريا على بعض مدنها دون أن تتمتع بأى سيادة، وأخرى فى غزة تقودها حماس تتمسك بانفصالها عن الضفة الغربية.
ويبقى السؤال هل بات من الأجدى أن يطرح الفلسطينيون شعار الدولة المدنية الواحدة فى كل فلسطين والتى يعيش عليها العرب واليهود، كهدف نهائى للنضال الفلسطينى حتى لو كان أيضا هدف صعب التحقيق بدلا من حل الدولتين الذى بات مجمدا؟. إن هدف الدولة الواحدة ليس مجرد شعار للاستهلاك المحلى يضاف لشعارات أخرى رفعها العرب لإبراء الذمة.
لأن تبنى هذا الهدف يتطلب استحقاقات ورؤى جديدة تقوم على التحول من خطاب الحرب والمواجهة العسكرية إلى خطاب مدنى يعمل على بناء دولة مساواة ومواطنة كاملة فى فلسطين التاريخية، وسيعتمد بشكل أساسى على عرب 48 المنقوصة حقوقهم والذين يعانون من التمييز والتهميش.
وهو أيضا خيار ليس سهلا لأنه يتطلب تغييرا فى الطبيعة اليهودية للدولة التى وضعها نتنياهو كأساس دستورى وقانونى لإسرائيل، وأيضا يصطدم بالسياسات العدوانية الإسرائيلية التى تغذى فصائل المقاومة المسلحة، وتعتبر نفسها ردا طبيعيا على هذه السياسات العدوانية.
ومع ذلك سيبقى مشروع الدولة الفلسطينية الواحدة ليس مجرد شعار رفعته حركات التحرر الوطنى العربية ومنظمة التحرير فى ستينيات القرن الماضى، إنما قام على رؤية سياسية متكاملة تقوم على رفض تقسيم فلسطين بين العرب واليهود، والتمسك بدولة مدنية واحدة فى فلسطين التاريخية يعيش على أرضها المسلمون والمسيحيون واليهود، وهو أيضا خيار غير وارد تحقيقه فى الوقت الحالى، لكن التلويح به فى مواجهة إجهاض إسرائيل لحل الدولتين ربما يمثل ورقة ضغط جديدة عليها.