بقلم : عمرو الشوبكي
ليست القضية فى وجود البلطجى، إنما فى توظيفه وتشغيله وإطلاقه على الناس فى أوقات بعينها لحساب جهات مجهولة، وأيضا فى ضعف المنظومة الأمنية والسياسية التى يُفترض أن تواجهه وتواجه كل الخارجين عن القانون، ولكنها للأسف تحسب مائة حسبة إذا كان الضحية مواطنا عاديا، وتفتح صدرها وتنهى كل شىء فى لحظة إذا سمعت من بعيد أن الضحية يمكن أن يكون من المحصنين أو له علاقة بالمؤسسات المحصنة.
مشهد البلطجى الأكبر، أو كما وصفه صديقنا د. عمار على حسن، فى مقال سابق بـ«المصرى اليوم»: «المستثار شرشوح الزفر»، فاق كل حدود، وصار ضعف النظام العام- وعجز السلطة التشريعية، ممثلة فى رئيسها، عن تطبيق حكم قضائى باتّ ونهائى، وفتح قنوات فضائية مشبوهة وغير مشبوهة لاستقبال بذاءاته- أمرا أيضا فاق كل منطق.
صحيح أن النائب الشجاع علاء عبدالمنعم وثَّق جانبا منها وقدمها لكل الدنيا، ولم يسمعه أحد، لأن هناك دورا مطلوبا لهؤلاء البلطجية وفق حسبة كارثية سيدفع البلد ثمنها غاليا، وهو مقبل فى الأسابيع القادمة على أخطر وأصعب فترة مرت به منذ عقود.
ومع ذلك لم يُقْدِم النظام السياسى على خطوات جادة فى اتجاه إعمال دولة القانون والقيام بالإصلاحات المطلوبة والرسائل العاجلة لاكتساب شرعية جديدة تساعده على تخطى صعاب اقتصادية وسياسية جمة سيواجهها فى القريب العاجل.
والحقيقة أن ما كتبته على مدار عام وكتبه غيرى عن الاستباحة والمجتمع المستباح يغطى كتبا، ومع ذلك لم يستجب أحد، لأن الأمر يخص المواطن العادى أو «المجتمع المستباح» سواء كان فى قسم شرطة أو فى المواصلات العامة، أو مع عدم تنفيذ أحكام القضاء، أو مع طرد المسيحيين من منازلهم فى المنيا وغيرها، فالحصيلة واحدة، إما تواطؤ الدولة أو عجزها، وكلاهما كارثة.
استباحة المجتمع أصبحت سمة مرحلة، فالذوق العام استُبيح، وإهانة الناس لا تتم فقط عبر شتائم بعض الفضائيات، إنما أيضا فى إهدار القانون والأحكام القضائية بشكل علنى وسافر.
إن أسوأ ما تعانى منه مصر هو عدم بذل أى جهد يُذكر فى بناء دولة القانون، واستمرار الحياد السلبى للحكم تجاه ظواهر تأكل كل يوم من شرعيته، رغم أنه بقليل من الإرادة يمكنه تغيير الكثير لصالح الوطن ولصالح نفسه.
معضلة مصر ليست فقط فى وجود صور مختلفة لانتهاك القانون، إنما فى حجم المتواطئين مع هذه الانتهاكات من داخل الدولة وخارجها، فلا توجد إرادة لوقف مسلسل «تشغيل» البلطجية، الذين تطاولوا حتى على أحكام محكمة النقض وشككوا فيها بشكل علنى، وبصورة أسوأ بمراحل مما يفعله الإخوان والإرهابيون.
معضلتنا ليست فى وجود البلطجية، إنما فى المنظومة التى سمحت بوجود «رموز بلطجية»، وقد يقول قائل: هذا طبيعى فى مجتمع نسبة الأمية فيه تصل للثلث، والفقر والعوز يحيط به، فطبيعى أن يصبح هؤلاء رموزا لأنهم امتداد لنظراء لهم داخل المجتمع، فهل نتوقع أن يكون المعبرون عن الفشلة فى التعليم والموظفون المرتشون علماء وأساتذة جامعات أم رموز البلطجة؟.
وقد يكون هذا صحيحا، ولكن الفرق بين مصر وغيرها من المجتمعات التى تقدمت حولنا- ولو نصف خطوة- أن نظمها قاومت هذه الظواهر المجتمعية ولم تَرْعَها مثلما يحدث عندنا.
قد يعانى المجتمع من أزمات، ومهمة النظم الناجحة أن تواجه هذه الأزمات لا أن توظفها متصورة أنها تحمى مصالحها، وهى للأسف تنسى أو تتناسى أنها تضر بنفسها أولاً وتدفع البلاد نحو خطر محدق.