بقلم : عمرو الشوبكي
هى فرصة ضائعة أضافها الحكم لمسلسل الفرص الضائعة، حين عجز عن وضع إطار قانونى عادل يضمن التنافس بين مؤيدين للنظام (لا يزالون أغلبية)، وبين معارضين (أقلية كبيرة ومؤثرة)، بدلاً من استسهال استخدام عصا الأمن الغليظة فى مواجهة المعارضين، والدفع بنوعية من الأنصار إلى الشوارع حاملين الأعلام السعودية فى احتفال مصر بعيد تحرير سيناء، وأبدى بعضهم استعدادا غير حميد بإعطاء الهرم وأبوالهول و«أم الهول» للسعودية شكرا وعرفانا لدورها فى دعم مصر.
والحقيقة أنه فى مقابل استغلال هذه الشريحة من ضحايا التهميش والأمية والجهل ممن يبيعون أصواتهم فى الانتخابات وينزلون فى المظاهرات بأوامر الأمن أو بسطوة المال، هناك شريحة أكبر من المؤيدين الذين مثلوا نواة لقوى يمين محافظ فى مصر داعمة للنظام وتتبنى خطاب الاستقرار وترفض أى حراك شعبى على اعتبار أن البلد يمر بأزمة اقتصادية وسياسية خانقة، وعلينا جميعا أن نؤجل الاحتجاجات لحين العبور بالبلد إلى بر الأمان وهذه المدرسة لها أنصار واعون.
وقد عبر عن هذا التيار مؤتمر حزب مستقبل وطن فى ميدان عابدين، احتفالا بذكرى تحرير سيناء، وفيه رفعت الأعلام المصرية ورددت الأناشيد الوطنية، وهو حزب اختار منذ البداية أن يكون داعما للمسار الحالى، ويضم مجموعات كبيرة من الشباب انطلقوا من العمل التنموى والاجتماعى، وليسوا جزءا من شباب الحركات الثورية، بل ربما ضدها، وهم شريحة من الشباب موجودة داخل المجتمع، وأصر قطاع من الشباب الثورى على أن ينعتها بتهم سلبية كثيرة، وبصرف النظر عن الخلاف الكامل أو الجزئى مع شكل علاقة حزب مستقبل وطن بالدولة، إلا أنه فى النهاية يعبر عن قاعدة اجتماعية حقيقية، سواء نجح الحزب فى أن يستوعبها داخله أم لا.
مقابل هؤلاء المؤيدين الذى نزلوا يوم الاثنين الماضى آمنين معززين مكرمين، تعاملت الدولة بعنف وقسوة شديدين مع أبناء «البطة السوداء» من المعارضين، وأوقفت ناس ماشيين فى الشارع بتهمة أنهم «شباب»، وبدت الصورة فيها من الانتقام والقسوة الكثير، أما المتظاهرون فقد تم تفريقهم فورا بالغاز، ونحمد الله أنه لم يسقط ضحايا فى هذا اليوم رغم قلة عدد المظاهرات والمتظاهرين.
والمؤكد أن المعارضين فى مصر متنوعون، فمنهم المؤيدون السابقون (أحدهم تم توقيفه، وهو الشاب عمرو عزت، المرشح السابق فى دائرة إمبابة، وعضو فى حملة الرئيس السيسى)، ومنهم المحروقون بجد على التنازل عن الأرض المصرية، ورؤاهم فى التغيير إصلاحية، ويدفعهم النظام دفعا نحو تبنى مقولات راديكالية ومتطرفة نتيجة الممارسات الأمنية، وهناك، ثالثا، الأقلية المتطرفة أصلا من هتيفة «يسقط حكم العسكر» وممن تحول عملهم السياسى إلى مهنة بفعل علاقاتهم الخارجية، وهؤلاء يعدون بالعشرات ويستطيع أى ضابط شريف فى الأمن الوطنى أن يعدهم لك ويقول لك هؤلاء هم المشبوهون، وفقط هؤلاء.
قلب المعارضين فى مصر وطنى عظيم، وهو الجيل الأكثر حداثة وإيمانا بالدولة الوطنية والديمقراطية والعدالة، ويقينا فإنهم كسبوا نقطة فى رصيدهم الشعبى (لن تترجم فى التظاهر فقط) حين نجحوا فى ضم جزء من تيار الاستقرار وحزب الكنبة إلى صفوفهم نتيجة الفشل المدوى للحكم فى إدارة ملف الجزيرتين.
يقينا هناك مؤيدون أصيلون وطنيون ليسوا أمنجية ولا عبيد البيادة، وهم الشقيق الأكبر والأب والأم والخال والعم لكثير من الشباب المعارضين، وهؤلاء يجب أن يعتمد عليهم الرئيس أساسا فى حكمه، وليس على عصا الأمن التى ستضر بالجميع. يقابلهم معارضون وطنيون شرفاء ومحروقون على البلد (وليس العشرات المشبوهين) ومتعلمون أحسن تعليم، وهم صوت الشباب الواعد حتى لو بدأ احتجاجيا، فلو أعطاهم النظام نفس حقوق وواجبات المؤيدين سيتحول معظمهم إلى إصلاحيين، ونكون بذلك وضعنا اللبنة الأولى فى طريق التحول الديمقراطى لهذا البلد، ونكون نجونا من خطر الاستقطاب ونشر الخرافة والتجهيل والتخوين المتبادل والمصائر السوداء.