بقلم : عمرو الشوبكي
لم يقبل كثيرون قيام الشرطة الفرنسية بإجبار سيدة مسلمة على خلع لباس البحر «الشرعى» الذى يغطى كامل الجسد والمعروف فى فرنسا باسم «البوركينى»، وفرض العديد من البلديات حظراً على ارتداء هذا الزى، الأمر الذى دفع رابطة حقوق الإنسان، والتجمع لمكافحة كراهية الإسلام إلى القضاء لإبطال تنفيذ هذا القرار بحجة احترام «التقاليد والعلمانية».
وحكم مجلس الدولة أمس الأول بوقف قرار منع ارتداء «البوركينى» على الشواطئ الفرنسية، معتبرا أن قرار منع ارتياد الشواطئ ينبغى أن ينطلق من مبدأ النظام العام، مع ما يعنيه من «سلامة الوصول إلى الشاطئ وأمن السابحين» إضافة إلى الصحة العامة. واعتبرت المحكمة فى نهاية حكمها أن المعطيات التى تمت دراستها لا تبيّن أن البوركينى «يشكل أى تهديد على النظام العام».
واستقبل قرار أو حكم مجلس الدولة الفرنسى (الحكيم) بترحاب فى الأوساط الإسلامية، وأيده بشدة ممثلو المجلس الأعلى للديانة الإسلامية، وأيضا قطاع واسع من التيارات اليسارية، فى حين طالب محامى رابطة حقوق الإنسان، التى رفعت القضية، بأن يتحول هذا الحكم إلى قانون، واعتبر أن هناك عدم تكافؤ فى التعامل مع موضوع حرية الأديان، ولا يجب أن تكون هناك سلطة لدى رئيس البلدية لتقييد هذه الحرية.
وكانت مدينة كان هى أول من أعلنت عن حظر ارتداء البوركينى، وبرّرت ذلك بوجود فترة حساسة عقب الهجمات الإرهابية التى شهدتها فرنسا وإمكانية تسبّب «لباس البوركينى»، فى المساهمة فى تأجيج التوتر، وقد أيّدت محكمة إدارية فى نيس هذا الحظر، كما أيّده رئيس الوزراء الفرنسى مانويل فالس، بمبرّر حماية علمانية فرنسا.
والحقيقة أن هناك تيارا واسعا فى فرنسا يرفض أى مظهر دينى إسلامى حتى لو كان حجاب الرأس، كما أن هناك تيارا آخر لا يكتفى برفض المظاهر الإسلامية، إنما يرفض الإسلام والمسلمين ويعتبرهم مصدر الشرور بعد أن اكتوت فرنسا مؤخرا بنار الإرهاب الداعشى أكثر من كل جيرانها الأوروبيين.
أسئلة علاقة الإسلام والمسلمين بالإرهاب لا تتوقف فى أوروبا، ومهما اعتبرنا أن كل من ارتكبوا جرائم إرهابية فى فرنسا مواطنون فرنسيون ولدوا وعاشوا فيها ويحملون جنسيتها، ومهما قلنا أيضا (وقال معنا البعض فى الغرب والشرق) إن ما يحرك هؤلاء الإرهابيين هو الواقع المحيط بهم وليس النص الدينى الذى يظهر فى اللحظات الأخيرة ليقنع من يقتل الأبرياء بأنه ليس إرهابيا وأنه سيدخل الجنة شهيدا.
ولعل حالة محمد الهلالى الفرنسى من أصل تونسى كانت لها ألف دلالة، فقد ابتكر صورة إرهابية فريدة، حين قاد شاحنة نقل ضخمة ليصدم مدنيين أبرياء فى مدينة نيس الفرنسية، كانوا يحتفلون بالعيد الوطنى (ذكرى الثورة الفرنسية فى 14 يوليو) فقتل 84 شخصا من جنسيات وأديان مختلفة، بينهم 10 أطفال، وأصاب 202.
ووصف وقتها وزير الداخلية الفرنسية الشاب بأنه «تطرف بسرعة»، والحقيقة أنه قبل يوم واحد من ارتكابه الجريمة لم تكن له أى علاقة بالدين ولا حتى بتفسير منحرف لنصوصه.
ومع ذلك سيظل السؤال الذى يطرحه تيار واسع من المثقفين الأوروبيين العقلاء بأن هؤلاء لم يصبحوا إرهابيين بسبب النص الدينى إنما الواقع الاجتماعى المحيط بهم، ومع ذلك فإن المسلمين فقط، دون غيرهم من باقى الجاليات، هم من يقومون بتلك الأفعال؟! وهذا هو السؤال الذى لا يجيب عنه المسلمون بصورة مقنعة فيتطوع كثير من الأوروبيين بالإجابة عنه برفض المسلمين.
وتبقى دولة القانون هى التى تحمى المجتمع من أى تطرف أو خطاب كراهية وهذا ما فعله مجلس الدولة الفرنسى، صاحب التقاليد القانونية العريقة والمحترمة، حين حكم لصالح حرية ارتداء لباس بحر عرف بأنه إسلامى ليس حبا فى الإسلام إنما احتراما لحرية العقيدة.