بقلم : عمرو الشوبكي
أزمة التعليم فى مصر أزمة عميقة، والتعامل معه على أنه مصلحة حكومية مثل باقى المصالح- تتطلب وزيرا مطيعا محدود الكفاءة، يخطئ فى بديهيات اللغة العربية وقواعد النحو، ويدير الوزارة بدون رؤية ولا تصور- يُعقد الأزمة كل يوم.
يقينا أن تقدم هذا البلد يحتاج إلى ثورة فى منظومة التعليم ومناهجه، ومراجعة شعار المجانية الذى أفرز طلابا لا يتعلمون الكثير فى المدارس الحكومية، وغير قادرين على منافسة خريجى المدارس الأجنبية فى سوق العمل، وفى نفس الوقت ينفقون أموالا هائلة على الدروس الخصوصية، ومع ذلك نسميه «التعليم المجانى».
مشاكل التعليم كثيرة، وتركناها حتى وصلت هذا العام لمنحنى خطر مع تسريبات الثانوية العامة، وظهور الأخ «شاومينج» الذى «يغشش ثانوية عامة»، ونجح فى تسريب معظم الامتحانات، بل لم يكتفِ بذلك إنما تحدى الدولة والوزير بأنه سيستمر فى التسريبات، حتى أعلن على موقعه ما جرى فى اجتماعات مغلقة بين الوزير وبعض قيادات الوزارة، وصرح بأنه سيعلن نتيجة الثانوية العامة قبل موعدها، ووعد 10 طلاب بأنه سيخبرهم علنا بنتائجهم قريبا.
والسؤال: مَن الشخص أو الجهة أو الشبكة التى تقف وراء صفحة شاومينج؟ ومَن المسؤول عن عملية تسريب الامتحانات؟ وكيف عجزت الأجهزة الأمنية عن معرفتهم ووقف هذه المهزلة المستمرة حتى الآن؟
الخطر الحقيقى يكمن فى أن صفحة مَن «يغشش ثانوية عامة» تحولت فى ذهن قطاع يُعتد به من الطلاب إلى صفحة يقودها رجل شجاع ونموذج يُحتذى به يدافع عن العدالة، ويقف فى وجه سلطة الوزارة والوزير ومحاباة أبناء كبار المسؤولين، وهى صورة خطرة لأن مَن يقوم بأكبر عملية غش وخداع فى تاريخ الثانوية العامة يبدو بطلا فى أعين البعض، وهى كارثة بكل المقاييس فى ظل عجز الوزارة عن مواجهته.
وقد اضطرت الوزارة بعد تكرار التسريبات إلى اتخاذ قرار إعادة الامتحانات، إلا أن الوصول الاضطرارى لتلك الخطوة كان نتيجة فشل الوزارة والدولة كلها فى مواجهة ظاهرة تسريب الامتحانات، خاصة بعد أن تحولت إلى إحدى صور التمرد على العملية التعليمية كلها.
وقد دفع تسريب امتحان الديناميكا وزارة التربية والتعليم إلى اتخاذ قرار إعادة الامتحان فى 2 يوليو القادم، كما قررت تأجيل امتحان الجيولوجيا والرياضة البحتة والتاريخ إلى 4 يوليو، وهو ما أثار موجة احتجاجات غير مسبوقة من طلاب الثانوية العامة، فنزلوا لأول مرة إلى ميدان التحرير وتظاهروا فى وسط البلد قبل أن تفرقهم قوات الأمن.
إن تركيز الدولة والأمن على اعتبار أن الخطر الذى يهدد البلاد قادم من بعض النشطاء أو بعض الإعلاميين والكتاب أو بعض المعارضين هو فى الحقيقة تركيز فى عكس الاتجاه الصحيح، لأن الخطر من داخل مؤسسات الدولة المترهلة ومن الاحتجاجات غير المرئية وغير المتوقعة (ثانوية عامة وغيرها)، التى تأتى كل يوم من حيث لا يحتسبون.
أصلِحوا منظومة التعليم ونظام الثانوية العامة، غيِّروا الوزير الفاشل، وضعوا خطة جديدة لتطوير التعليم بعيدا عن الشعارات المكررة، فالثانوية العامة يمكن أن تكون عنوان تقدمنا لا دليل أزماتنا.