بقلم : عمرو الشوبكي
دائماً ما تطرح النخب الحاكمة سؤال عدم تأهيل الشعب للديمقراطية، بدلا من طرح سؤال: ما هى تحديات الديمقراطية؟ وما هى مشاكلها فى بلد تصل فيه نسبة الأمية إلى الثلث ويعانى من أزمات اجتماعية وثقافية عديدة.
والحقيقة أن هذه الأسئلة تُطرح فى ظل عدم تحمل الدولة وأجهزتها مسؤوليتها فى تنظيم المجال العام، وتركه مستباحاً للمطبلين والشتامين ثم بعد ذلك نقول إن الشعب جاهل وغير قادر على الاختيار والتمييز.
ليس صحيحاً أن الشعب يريد الاستباحة و«سى دى» لكل مواطن، ويستمتع بالتهم الملفقة ووصلات الردح، فالأسماء المحصنة هى التى تريد ذلك، وهى التى تعلن كل يوم أنه لن يحاسبها أحد، لأنها محمية من قبل السلطة، وهى التى تهدد الجميع تحت رعاية من فى يده «الحل والعقد».
صحيح أن صحف النميمة الصفراء ورموزها موجودون فى كل دول العالم، وتستهوى شريحة من الجمهور عندنا وعند غيرنا، ولكنها لا تلغى نقاش الأفكار والرؤى السياسية والاقتصادية مثلما يحدث عندنا.
فى مصر النقاش العام تقريباً غائب، لأن القرارات الحكومية المهمة لا تخضع لأى نقاش من أى نوع، ولا يوجد مشروع خضع فى مصر لنقاش عام، فهناك رؤية واحدة، وهناك مطبلون وحملة مباخر، وفى مواجهتهم (أو الوجه الآخر لهم) هناك من يرغب فى الهدم ويشمت فى أى تعثر أو مصيبة.
وفى ظل تغييب مدارس فكرية وسياسية يسارية ويمينية تناقش أوضاعنا السياسية، وفى ظل غياب حتى نقاش فنى حول المشاريع الاقتصادية أمام الرأى العام، أصبح البلد أسير إما قوى العنف والإرهاب (ممارسة وتبريرا) أو قوى الاحتجاج والرفض والتربص لأى خطأ لتحويله لخطيئة، أو لخطاب ملايين المنسحبين والمحبطين.
إن أسوأ ما تعانى منه مصر هو عدم بذل أى جهد يُذكر فى بناء دولة القانون، واستمرار حياد الحكم السلبى فى التعامل مع صور الاستباحة المختلفة التى فُرضت على المجتمع من قبل بلطجية وشتامين وخارجين على أى قانون.
للأسف الشديد أصبح شعار المرحلة دعهم يسبون ويشتمون ولن نحاسب أحداً، وسيعطل تطبيق القانون إلا على المغضوب عليهم الذين يُعاقبون أشد عقاب بسبب هفوات لا جرائم.
عرف الشعب فى نهايات عهد مبارك الاستباحة وتزوير الانتخابات (2010) من أجل مشروع التوريث، واليوم لا يوجد مبرر ولا سبب مقنع أن يقدم نظام وطنى على ترك ممارسات أسوأ بكثير مما كان يجرى فى عهد مبارك دون أى رادع قانونى.
لا يمكن أن يتقدم بلد دون دولة قانون حتى لو ظلت فى تحول ديمقراطى لفترة، وأهلية الشعب تُكتسب بالممارسة، ولكنها لن تُكتسب فى ظل غياب لدولة القانون.
احترام القانون وتنفيذ أحكام القضاء معناه ببساطة قيام الدولة بواجباتها حتى لو اعتبرت أن الشعب غير مؤهل للديمقراطية، فهذا يعنى أيضا أنها غير مؤهلة للحكم، لأنها فشلت فى بناء دولة القانون، الصين التى زارها الرئيس أكثر من مرة ليست ديمقراطية، ولكن بها قانون صارم يطبق، والإمارات مجتمع الرفاه الاقتصادى ليس فيها من الأصل طلب على السياسة والديمقراطية، ولكن نجاحها تم لأنها دولة قانون، وبين الصين والإمارات هناك عشرات التجارب الناجحة التى تقدمت بالقانون وليس بمعايرة الشعب بأنه غير مؤهل للديمقراطية.
علينا أن نعى أنه ليس من مهمة الحكومات تربية الشعوب، إنما وضع قوانين وقواعد تطبق على الجميع دون استثناء وتترك الشعب لاختياراته، لا أن تتركه مستباحا ثم تقول له إنك غير مؤهل للديمقراطية.