عمرو الشوبكي
انسحبت صحوة مصر اعتراضا على إعادة الكشف الطبى مرة أخرى على مرشحيها الأساسيين والاحتياطيين دون مبرر، وهو أمر سيكلف أى قائمة ما يقرب من نصف مليون جنيه، وبدا شديد الصعوبة على أى قائمة أغلب أعضائها ليسوا من رجال الأعمال، ولم تدعمها أجهزة الدولة ولا كبار رجال الأعمال.
ثابر صاحب فكرة القائمة الرجل المحترم د. عبدالجليل مصطفى ومعه أسماء وطنية كبيرة مثل د. عمار على حسن وآخرين على مدار ما يقرب من عام من أجل أن يضعوا معايير شفافة لاختيار قائمة مدنية وطنية ديمقراطية هدفها البناء والإصلاح لا الهدم أو التطبيل، ونجحوا فى الاختبار الصعب حتى لو لم يرضوا كل الناس إلا أنهم حاولوا بشرف وتعثروا بشرف.
لأول مرة نجد أسماء كبيرة ولامعة فى الحياة السياسية تبذل جهدا كبيرا فى تشكيل قائمة ولا تضرب أكتافا لبعضها البعض من أجل أن تجد مكانا لها فى القائمة فهم جميعا لم يترشحوا رغم أنهم يمثلون إضافة حقيقية للبرلمان، واختاروا بنزاهة مرشحى القائمة.
يقينا أنه لولا قانون الانتخابات السيئ لما تعثرت معظم القوى السياسية فى تشكيل قوائمها، صحيح أن ضعفها وانقسامها مثلا أيضا عامل رئيسى وراء هذا التعثر إلا أن محاولة عبدالجليل مصطفى كانت أملا أخيرا كسرته حالة التخبط والبيروقراطية وغياب الرؤية السياسية.
انسحاب قوائم صحوة مصر الثلاثة يعنى تلقائيا نجاح إحدى قوائم فى حب مصر بالتزكية (التى تضم الشرقية ومدن القناة وسيناء) وهى ظاهرة غير متكررة فى أى انتخابات أن تفوز قائمة من 15 مقعدا دون منافسة.
إن انسحاب صحوة مصر لم يكن انسحابا مراهقا أو غير عاقل إنما كان رفضا لحالة جعلت من شروط تشكيل القائمة أن تكون معك ملايين الجنيهات، وكشفت أن نظام القوائم الأربع (قسمت فيه الجمهورية لأربع قطاعات اثنان يضم كل منهما 45 مقعدا واثنان يضم كل منهما 30 مقعدا) جعل الناخب يختار فى محافظة الجيزة قائمة تمتد حتى حلايب وشلاتين وتضم 45 مرشحا.
إن نظام القوائم، الذى يعطى نظريا فرصة لتقوية الأحزاب، ويفتح الباب أمام تنافس صحى يقوى من العملية السياسية والديمقراطية، ويجعل الجدل والخلاف السياسى داخل البرلمان وليس خارجه، فشلنا فى تطبيقه.
إن هناك قوى كثيرة فكرت فى المقاطعة ولكن صحوة مصر آثرت المشاركة ترجيحا للصالح العام ومحاولة لتجاوز حالة الإحباط التى أصابت الكثيرين نتيجة هذا الشعور بـأن هناك من يرغب فى هندسة البرلمان القادم على طريقة 2010 «محسن»، ولكنه سيكتشف بأسرع مما يتخيل حجم الكارثة التى قام بها حين ينتقل الخلاف السياسى إلى خارج البرلمان، أى إلى الصوت الاحتجاجى الرافض لكل العملية السياسية.
لم أكن أتمنى أن تنسحب «صحوة مصر» ومندهش من هذا الحياد والبرود فى التعامل مع دلالات هذا الانسحاب، فأخطر ما يمكن أن تتعرض له مصر فى الفترة القادمة أن يعود الناس مرة أخرى ويشعروا بأن البرلمان محجوز لأسماء وقوائم بعينها.
سيذكر كل وطنى بالعرفان جهود عبدالجليل مصطفى الرجل الذى عمل بعيدا عن الأضواء من أجل فكرة وحلم ومشروع للوطن.