عمرو الشوبكي
أسوأ ما فى الحديث الرائج عن الحزب الوطنى أنه سطّح النقاش حولها وشخصنها فى عدد من الأسماء من رموز الوطنى، واعتبر أنه باختفائها أو بمطالبة النظام الجديد بعزلهم ومنعهم من الترشح فى الانتخابات القادمة تنحل مشكلة الحزب الوطنى والنظام القديم.
والحقيقة أن مرددى هذا الخطاب هم فى الواقع لا يختلفون كثيرا عن رجال النظام القديم فهم الوجه الآخر لنفس العملة التى تتعامل مع موضوع الانتخابات باعتبارها كعكة يجب أخذ نصيبهم منها ليس عن طريق المنافسة الشريفة وفق قواعد قانونية جديدة وصارمة، إنما بعزل المنافسين تحت حجج مختلفة بأنهم إما فلول أو طابور خامس وغيرها دون أدنى اهتمام بتغيير البيئة الانتخابية، وكأن المطلوب هو فقط استبعاد الخصوم، وإدارة الانتخابات بنفس الطريقة القديمة من سطوة رأس المال والبلطجة وشراء الأصوات وعدم التزام الدولة بمواجهة هذه الأساليب التى مارسها كثير من قيادات الحزب الوطنى.
والحقيقة أن النظام القديم فى مصر كان خليطاً من مكونات عديدة، فهناك الرموز التى تورطت فى قضايا فساد وإفساد سياسى، كثير منها يحاكم ويقف خلف القضبان، وبعضها تمت تبرئته لعدم كفاية أدلة الإدانة الجنائية رغم إدانته السياسية من الشعب.
وهناك مكون آخر من مكونات النظم القديمة (وليس فقط نظام مبارك) يتعلق بالقوى التقليدية والمحافظة فى المجتمع التى اعتادت أن تعمل مع الدولة وتنظيمها الذى تنشئه منذ الاتحاد الاشتراكى فى عهد عبدالناصر وحتى الحزب الوطنى فى عهدى السادات ومبارك، وهؤلاء يمثلون فى أغلبهم الجانب التقليدى من الثقافة السياسية المصرية التى اعتادت أن تعتمد على الدولة فى تخليص مصالحها، وبنت على جهازها المترهل الذى يضم رقماً فلكياً تجاوز 6 ملايين عامل، شبكات مصالح متعددة الأشكال والألوان بعضها فاسد وكثير منها يقوم على ثقافة العشم والواسطة و«شيلنى واشيلك» وخدمات أهل الدائرة والحى والحتة، وهى كلها أمور وفرتها أحزاب الدولة، خاصة فى طبعتها الأخيرة مع الحزب الوطنى.
والسؤال: إذا كان فى مصر نظام سياسى وشبكات مصالح بنت فى معظمها حول الدولة، وأنت ترغب فى تغييرها، فهل تتصور أنك بالهتاف اليومى ضدها ستتغير؟ أم أنك فى حاجة لبناء نمط أكثر حداثة يلبى مصالح جديدة داخل المجتمع المصرى من رجال أعمال شباب يرغبون فى بناء نمط جديد من العلاقات الاجتماعية، ويدافعون عن بقاء الدولة، ولكنهم يرغبون فى إصلاحها وتحديثها ويرفضون أن تكون علاقتهم بها قائمة على النمط السابق من نفاق فج للحاكم وتقديس من فى السلطة، تماما مثلما ظهرت قوى وأحزاب مدنية جديدة تحاول أن تبنى مؤسسات بديلة وتخلق شبكة مصالح اجتماعية مرتبطة بالطبقة الوسطى وبرأس مال أكثر حداثة وديمقراطية، وتتجاوز فى نفس الوقت الصوت الاحتجاجى.
النظام القديم لن يعود إلا ببناء نظام جديد يكون قادراً على ملء الفراغ الذى سبق أن ملأه الإخوان، أما إذا كان الهدف هو التهام جزء من كعكة السلطة والبرلمان من خلال نفس المنظومة القديمة من رشاوى انتخابية وشراء أصوات وبلطجة لا يحاسب عليها أحد وتتفرج عليها أجهزة الدولة والأمن كما فعلت فى عهد مبارك، فمعناه حتماً أنك جزء من منظومة الفساد والإفساد القديمة حتى لو طالبت كل يوم بعزل الفلول، فالمطلوب هو عدم تكرار أساليب الفلول فى 2010 مرة أخرى فى 2015 وهذا هو دور الدولة ودور كل المؤمنين ببناء نظام مدنى ديمقراطى.