عمرو الشوبكي
اتسم عصر مبارك بغياب السياسة وتجريفها، ومازال وضعنا لم يتغير، ضعف فى الأحزاب السياسية وسلطة مركزية تقرر سياستها نيابة عن الجميع مستغلة ضعف المؤسسات الأهلية والحزبية.
والحقيقة أن اكتساح مرشح قادم من خارج الأحزاب السياسية انتخابات الرئاسة دليل على أزمتها، ولكنه لا يعنى بالضرورة عدم أهميتها ودورها المحورى فى بناء أى نظام سياسى مستقر، وقادر على الحياة.
كثيرون يتساءلون عن وجود مناقشة للقرارات الاقتصادية الخاصة برفع الدعم عن الطاقة قبل صدورها، وهل هناك نقاش سياسى واقتصادى دار حولها بين خبراء متخصصين، وهل استمعت الرئاسة للآراء المؤيدة والمعارضة على السواء قبل أن تصدر هذا القرار الحيوى؟
كل المؤشرات تقول إنه لم يحدث، فلم يجر حوار مع الأحزاب الرئيسية، ولا بين خبراء متنوعى المشارب الفكرية والسياسية، إنما قرار رئاسى جاء هذه المرة فى الاتجاه الصحيح، ولكنه افتقر الحد الأدنى من الحوار المجتمعى والسياسى القادر على فرز مؤيدين حقيقيين لجدواه، وقادرين على الدفاع عنه وسط الناس، وأيضاً معارضين جادين يطرحون بدائل أخرى لمواجهة عجز الميزانية، بما يعنى أن وجود الرؤية السياسية يعنى عملياً خلق كتلة مؤيدة من خارج حَمَلة المباخر والطبول، وأخرى معارضة من غير هتيفة الشعارات الحنجورية والنضال الإلكترونى.
ورغم أن قرار الرئيس بمواجهة مشكلة الدعم صائب وشجاع، بعد أن تردد أسلافة لما يقرب من 40 عاماً فى الاقتراب منه، إلا أنه افتقر إلى إدارة سياسية تقنع الشرائح الاجتماعية المختلفة بأن هذا القرار كان البديل الأفضل والأكثر عملية وسط بدائل أخرى طُرحت لحل مشكلة العجز فى الميزانية، فهناك من تحدث عن ضم الصناديق الخاصة للموازنة يما يخفض العجز إلى 66 مليار جنيه، وهناك من أشار إلى خفض النفقات الحكومية والاستغناء عن المصاريف الزائدة والمستشارين بما يوفر حوالى 10 مليارات جنيه، بالإضافة للضرائب التصاعدية، وضمان تنفيذ الحد الأقصى للأجور على قيادات الداخلية والجيش، وليس فقط قيادات البنوك، وإلغاء دعم تنشيط الصادرات وغيرها.
ورغم أن بعض هذه الأفكار «البديلة» غير مقنع إلا أن وجود نظام مؤمن بدور السياسة سيعنى أن الأطراف المؤيدة والمعارضة ستشعر بأنها ساهمت فى صياغة القرار، خاصة أن الرئيس لا ينتمى لحزب سياسى، وليست لديه نية على الأقل فى الوقت الراهن لتأسيس حزب من خلال السلطة يكرر به مأساة أحزاب السلطة السابقة، وهذا يعنى انفتاحه على كل الآراء وحرصه على المصلحة العامة قبل مصلحة حزبه، ومع ذلك فقد غاب تماماً أى حوار سياسى أو اقتصادى حول القرار، وبدأ بالتمهيد بقرار الرئيس بالتخلى عن نصف راتبه وورثه، ثم تلاه قرار رفع الدعم عن الطاقة.
ثقة أغلب المصريين فى السيسى كبيرة، ووطنيته ونزاهته ليست محل نقاش، ولذا لم يكن يحتاج أن يقول لرؤساء الصحف المصرية إنه زاهد فى السلطة، وإنه جاء حباً فى وطنه وليس فى الكرسى، وإنما إلى مناقشة أدواته ووسائله التى وصفتها «الفورن أفيرز» مؤخراً بأنها قديمة ومحدودة، وأنه سيعيش شهر عسل قصيراً فى الحكم.
السياسة هنا ليست ترفاً ولا مكاناً للثرثرة حتى لو كان كثير من السياسيين يتعاملون معها كذلك، لأن الصورة الذهنية عن هؤلاء السياسيين لدى كثير من رجال الدولة أنهم منقسمون وشطار فى الكلام وعاجزون عن الفعل والإنجاز.
وبصرف النظر عن صحة هذه الرؤية من عدمها (مبالغ فيها إلى حد كبير) فإن امتلاك رؤية سياسية يعنى توفير ظهير شعبى منظم سواء كان داعماً أو معارضاً لسياسات الرئيس بصورة تضمن استقرار البلاد، الذى لن يأتى عبر التأييد بالهتاف أو المعارضة بالاحتجاج.