الإجابة مازالت تونس

الإجابة مازالت تونس

الإجابة مازالت تونس

 العرب اليوم -

الإجابة مازالت تونس

عمرو الشوبكي

اعتبر البعض أن الاحتجاجات الأخيرة التى شهدتها تونس هى «بشارة» بأن الثورة ستنجح مرة أخرى فى تونس وتُسقط النظام، ثم تأتى إلى مصر لتُسقط النظام أيضا، وتصور بعض المعارضين الثوريين والنشطاء بسطحية معتادة أن الثورة على الأبواب، وستنتصر فى تونس ثم مصر، مثلما تصور بعض المؤيدين أيضا أن تمسح المعارضين باحتجاجات تونس يتطلب انتقادها والدخول فى مبارزة عنصرية جاهلة تؤكد أن مصر أهم ودورها أكبر، وأن الإجابة عندها وليست فى تونس.

ورغم أن النقاش لا يدور حول من أفضل وتأثيره أكبر، إنما من سار على الطريق الصحيح فى تجربته الديمقراطية ومن تعثر؟ وأن نجاح التحول الديمقراطى لا يعنى حل كل المشاكل، ولا يعنى أيضا أن التجربة غير معرضة للفشل والانتكاسة.

والحقيقة أن صورة الاحتجاجات التونسية كانت أقرب للاحتجاجات العنيفة التى تشهدها الضواحى الفرنسية الفقيرة والمهمشة من صور الثورة التونسية أو المصرية، فهى صوت احتجاجى مقبول لأنه موجود فى الواقع وليس على مواقع التواصل الاجتماعى (رغم رفضنا لكل صور العنف)، ولأنه يمثل صرخة فى وجه النخبة الحاكمة والمعارضة على السواء ضد التكلس والاسترخاء على مقاعد السلطة الوثيرة.

والحقيقة أن احتجاجات تونس ضد الرئيس المنتخب الباجى قائد السبسى ليست مثل ثورة الشعب التونسى ضد الرئيس المستبد زين العابدين بن على، فلو سقط السبسى فهذه علامة فشل وانهيار وخيبة، فى حين أن سقوط نظم مستبدة مثل مبارك وبن على والقذافى ومرسى بفعل انتفاضات شعبية هو علامة صحة ونجاح وليس علامة فشل.

والواقع أن تجربة تونس سارت فى مسار مستقر منذ البداية فوضعت دستورها أولاً ومعه قواعد قانونية فرضت على كل الأطراف أن تدخل المعادلة السياسية باعتبارها أحزابا وليس جماعات سرية.

والمؤكد أن المجتمع التونسى، الذى تبلغ فيه نسبة الأمية 15%، (الثلث فى مصر)، ويوجد فيه تعليم حكومى عام هو الأفضل بين الدول العربية غير النفطية، كما تعتبر الطبقة الوسطى أكثر اتساعا من نظيرتها المصرية، كل ذلك جعل معظم أطياف المجتمع التونسى داعمة لعملية التحول الديمقراطى رغم التحديات والمصاعب.

والحقيقة أن فلسفة النظام الديمقراطى تقوم على استيعاب كل الأطياف السياسية السلمية، التى تؤمن بالأسس التى يقوم عليها النظام القائم من دستور ودولة وطنية ونظام جمهورى، فقد دمج النظام التونسى فى العملية السياسية حزب النهضة كحزب سياسى مدنى وليس كجماعة سرية عقائدية، وساعد التغيير الذى حدث فى مصر فى 30 يونيو فى كبح جماح «إخوان تونس» ووضع حدود لما كان يطلق عليه التوانسة «تغول النهضة على مؤسسات الدولة».

والأهم من حركة النهضة (هؤلاء يتعمد نسيانهم المطبلون فى مصر) هو وجود قوى مدنية صلبة داخل المجتمع التونسى، وعلى رأسها الاتحاد التونسى للشغل، الذى اتخذ موقفا صلبا فى الدفاع عن الديمقراطية الوليدة وآمن بالنظام السياسى رغم معارضته للحكومة، واعتبر أن هناك قواعد ديمقراطية يجب أن تُحترم رغم تعاطفه مع المحتجين ومطالبهم.

وأصدر الاتحاد التونسى للشغل بيانا مسؤولا (بالتشكيل العربى من المصدر التونسى) عن الاحتجاجات، جاء فيه: «يعبر المكتب التنفيذى للاتحاد العام التونسى للشغل بكل قوّة عن مساندته للمطالب المشروعة لمئات الآلاف من المهمّشين والمعطّلين، ويدعو الحكومة إلى مزيد من البحث عن إجراءات عاجلة وعملية، فإنّه يدعو الشباب المحتجّ إلى التظاهر السلمى والحضارى المنظّم بعيداً عن كلّ أشكال العنف والتدمير والإضرار بالأملاك العامّة والخاصّة وتعطيل الأنشطة، وينبّههم إلى تربّص الإرهابيين والمخرّبين لهذه الفرص وسعيهم إلى انتهازها للاندساس بين المتظاهرين وتحويل وجهة الاحتجاجات إلى التخريب والحرق والقتل، مثلما حدث لفقيد الأمن، رحمه الله».

وأعتقد أن هناك فرقاً بين اتحاد للعمال يبايع السلطة التنفيذية والرئيس والحكومة، وليس لديه ظهير مجتمعى حقيقى، وبين اتحاد للشغل لديه ظهير شعبى وتاريخ نقابى عريق وقدرة حقيقية على تحمل المسؤولية الوطنية، فلم يعتبر الاتحاد التونسى هذه الاحتجاجات فرصة للقفز على السلطة وممارسة الانتهازية المعتادة فى العالم العربى فى مثل هذه الظروف، إنما تحرك بمسؤولية ودعّم المطالب الاجتماعية للمحتجين وقدم بدائل للسلطة التنفيذية دون أن يبرر تحت أى ظرف عمليات التخريب، معتبراً نفسه جزءاً من النظام القائم.


ولمن لا يعرف فلولا دور الاتحاد التونسى للشغل، منذ اندلاع الثورة التونسية، لما نجحت تجربة التحول الديمقراطى فى تونس، فقد كان دوره حاسما فى الثورة، وكان أساسياً فى معارضة حكم النهضة، وأيضا فى صنع التوافق بين فرقاء الساحة التونسية بعد سقوط حكمها وانتخاب برلمان ورئيس جديدين.

أما الرئيس التونسى الحالى فقال فى تصريح له مائة دلالة إن الاحتجاجات التونسية مشروعة، ويضمنها الدستور والقانون بشرط ألا تمارس العنف والتخريب، واعتبر أن النظام الجديد ورث مشكلة البطالة من النظم السابقة.

ولنا أن نقدر قدرة هذا البلد الصغير على استيعاب مظاهرات بعشرات الآلاف تستمر أكثر من أسبوع، ويعانى أيضا من إرهاب، فى حين أن بلدا كبيرا مثل مصر لا يحتمل مظاهرة بها العشرات، أو عبثا سخيفا وتافها لمراهق «أبلة فاهيتا»، (يُحاسب وفق المثل الشعبى «عيل وغلط» لا أن يعدم).

والمؤكد أن نجاح التجربة الديمقراطية الوليدة فى تونس فى دمج القوى الرئيسية داخل العملية السياسية جعل تصريح الرئيس التونسى السابق، المنصف المرزوقى، بضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة لا تأثير ولا قاعدة شعبية له، فالرجل الذى خسر انتخابات الرئاسة وفضل الشعب التونسى، عقب ثورة شبابية، أن يختار رئيساً تجاوز عمره الثمانين عاما بدلا منه، عليه أن يصمت قليلا، لأن تونس نجاها الله من مصير كارثى فى حال فوز «المرزوقى».

تونس تعانى من إرهاب خطير ومدمر، وتضررت السياحة ضررا كبيرا، وتراجع اقتصادها ومعدلات نموها، ولكنها احتفلت بثورتها دون عنف، وواجهت الاحتجاجات الواسعة بقوة القانون، وهى مازالت تمثل الإجابة الصحيحة فى تجارب الربيع العربى، وحتى لو تعثرت- لا قدر الله- فإن ذلك ليس معناه فشل الديمقراطية إنما فشل تجربة تحول ديمقراطى، وسيكون يقيناً بديلها هو الفوضى المدمرة وليس بناء نظام سياسى أفضل.

 

arabstoday

GMT 13:32 2024 الأحد ,04 آب / أغسطس

مدن الصيف: فسحة مش لطيفة خالص

GMT 20:06 2024 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

فتحى سرور

GMT 19:24 2024 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الجيل الرابع؟!

GMT 21:51 2024 الإثنين ,05 شباط / فبراير

«الشوطة التى شالت فيتوريا»!

GMT 19:39 2024 الأحد ,04 شباط / فبراير

رهانات الحكومة الخمسة لعلاج الجنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإجابة مازالت تونس الإجابة مازالت تونس



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة
 العرب اليوم - أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة

GMT 18:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش اللبناني يعلن مقتل جنديين في ضربة إسرائيلية
 العرب اليوم - الجيش اللبناني يعلن مقتل جنديين في ضربة إسرائيلية

GMT 12:03 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
 العرب اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 01:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العنف فى المدارس !

GMT 05:45 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 02:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 08:22 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل جندي إسرائيلي من لواء كفير برصاص قناص شمال قطاع غزة

GMT 07:19 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 4.7 درجات يضرب أفغانستان في ساعة مبكرة من اليوم

GMT 13:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مستوطنون يحتلون مسجداً ويبثون منه أغنيات عبرية

GMT 06:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يحذّر من حقبة "تغيير سياسي كبير" بعد فوز ترامب

GMT 13:36 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"تسلا" تستدعي 2400 شاحنة من "Cybertruck" بسبب مشاكل تقنية

GMT 22:39 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سقوط قنبلتين ضوئيتين في ساحة منزل نتنياهو

GMT 16:54 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد فهمي ضيف شرف سينما 2024 بـ 3 أفلام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab