الشعب ضد الشعب

الشعب ضد الشعب

الشعب ضد الشعب

 العرب اليوم -

الشعب ضد الشعب

عمرو الشوبكي

حصانة نواب المجالس النيابية أمر مستقر فى البلاد الديمقراطية، أو التى ترغب أن تكون ديمقراطية، بصرف النظر عن وجود بعض من يوظف هذه الحصانة فى أغراض غير قانونية، فالأمر لا يعدو أن يكون مجرد حصانة لتسهيل عمل النائب فى أداء واجبه فى الرقابة والتشريع، أما إذا كان المطلوب أن يبقى مهللاً ومصفقاً، أو نائماً وغائباً، فإن الأمر بالتأكيد لا يحتاج إلى حصانة، لأن ما يقوله سيبسط الجميع.
يقيناً أن مصر من البلاد التى استخدم فيها كثير من نواب الشعب حصانتهم فى قضايا مخالفة للقانون، وفى الاستعلاء على خلق الله، وفى التربح وتحقيق مكاسب خاصة أو للأهل والعشيرة، إلا أن هذا لا يعنى مطالبة بعض الناس، بمن فيهم بعض المرشحين، بهذا «الاختراع النادر» الذى يقول بإلغاء الحصانة خارج المجلس والاحتفاظ بها داخل المجلس.

والحقيقة أن الحصانة تُعطَى فى كل بلاد الدنيا للنواب بحكم الدستور والقانون، وهى نوع من الحماية للنائب أساساً خارج البرلمان إذا قام بانتقاد سلطة رأس المال أو أهل الحكم، وسحبها سيعنى إضعاف قدرته على الوقوف أمام هؤلاء، وإنهاء فكرة نائب الشعب من الأساس.

والحقيقة أن الترجمة العملية لاختراع سحب الحصانة تعنى أن النائب إذا تجاوز فى حق أى سلطة داخل البرلمان يستطيع أى أمين شرطة خارج البرلمان أن يقبض عليه أو يحتجزه لساعات أو أشهر، وهناك تهم كثيرة جاهزة، بعد أن فقد حصانته بناءً على رغبة قطاع من الشعب ضد نواب الشعب. والسؤال: لماذا اخترعت البلاد المتقدمة نظام الحصانة لنواب البرلمان أو للقضاة أو رجال الأمن أثناء تنفيذ عمليات معينة، أو جهات التحقيق والنيابة العامة، أو لرئيس الجمهورية والوزراء المنتخبين؟ لأنها ببساطة تساعدهم على القيام بوظائفهم، واتفق المجتمع ونظامه الدستورى والقانونى على أن هذه الفئات تحتاج إلى هذه الحصانة لتأدية عملها وليس للاستفادة أو التربح منها.

ففى مصر هناك حصانة دستورية وقانونية لفئات كثيرة، فالقضاء لديه حصانة، ووكيل النيابة الشاب يكتب مذكرة بما يراه أمام أى زميل له (مهما كان خطؤه)، ولا يُستدعى لأى تحقيق إلا بعد رفع الحصانة عنه، لأن طبيعة عمله فى الأصل تستدعى تمتعه بهذه الحصانة.

وهناك أيضاً حصانة أعطاها الدستور لرجال القوات المسلحة فى حال الاعتداء المباشر عليهم من أى «مدنى»، أو بالأحرى إرهابى، وهنا سمح الدستور بإحالة المعتدين إلى محاكمة عسكرية على عكس البلاد الديمقراطية المستقرة التى لا يُسمح فيها بإحالة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.

والحقيقة أن المطروح فى مصر ليس صراع حصانات، ولا بحثاً عن استثناءات خاصة لكل فئة كما يطالب البعض كل يوم، فالقاضى بحكم طبيعة عملة يحتاج إلى حصانة أو وضع قانونى يتيح له القيام بعمله دون تهديد أو ضغوط، ونفس الأمر بالنسبة لنائب الشعب، فالحصانة هنا لا يجب أن تكون باباً لفساد أو استثناء، إنما فقط حماية من أجل أداء العمل المكلف به.

إن حرص المجتمع يجب أن يكون من أجل وضع كل الضمانات التى تجعل استخدام الحصانة من أجل تأدية الوظيفة العامة لا الوجاهة العامة، ومحاسبة أى نائب أو مسؤول تنفيذى كبير يستفيد من الحصانة فى ارتكاب المخالفات الصغيرة أو الجرائم الكبيرة، فهؤلاء يجب ألا تعطيهم الحصانة أى ميزة، وأن توضع آلية لرفعها عنهم فوراً فى حال ثبوت ارتكابهم أى جريمة.

المؤكد أن هذه الحروب التى يشنها البعض على كل ما له علاقة بخيارات الناس أمر صادم ومقلق، فالحصانة يطالب البعض بسحبها من المؤسسة المنتخبة الوحيدة التى يختارها الناس، أى نواب البرلمان، وهو أمر غير مطروح بالنسبة لأى فئة أخرى من فئات الإدارة والدولة، والدستور الذى يحمى الشعب ويضمن حقوقه الأساسية وحرياته وكرامته (واستُفتى عليه الشعب أيضاً) يطالب البعض بتغييره دون أن يقرأوه فى هستيريا نادرة وغير مسبوقة تحت حجة أن صلاحيات البرلمان أكبر من الرئيس (غير صحيح)، وأن الأول قد يعطل الأخير، وهو طلب غريب فى ظل غياب البرلمان، وفى حالة وجوده سيكون مؤيداً، فكيف يمكن اعتباره معطلاً، وهو من الأصل لم يُنتخب بعد.

الحقيقة أن الحروب الإعلامية الدائرة فى مصر الآن تدل على عمق الأزمة التى وصلنا إليها، فهى من ناحية حروب وهمية لا علاقة لها بجوهر المشاكل التى يعانى منها المجتمع المصرى، فبدلاً من أن نتحدث عن مشاكل الفقر والأمية وغياب العدالة ومحاربة الفساد والإرهاب نتحدث عن صلاحيات الرئيس فى مواجهة برلمان لم يُنتخب أصلاً، وبدلاً من أن نحارب توظيف البعض السيئ للحصانة البرلمانية نقول: اسحبوا حصانة المساعدة على تأدية الواجب من الكيان الوحيد المنتخب، أى البرلمان، فى اختراع غير مسبوق مصرياً وعالمياً.

حين يقع بعض أفراد الشعب فريسة التحريض الإعلامى فى قضايا لا علاقة لها بمشاكلهم، ويدخلون فى حروب وهمية مع جزء آخر من الشعب، فهم بذلك يُبقون كل المشاكل الحقيقية على حالها بلا تغيير، لأنهم انشغلوا بمعارك لا تقدمهم خطوة واحدة للأمام.

arabstoday

GMT 10:18 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

تخاريف داني دانون!

GMT 10:17 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

لعن الله العربشة والمتعربشين

GMT 10:16 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

هل الأزمة السودانية في نهاياتها؟!

GMT 10:14 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

عقلانية الشرع

GMT 10:13 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الشتات مأوى الأحياء والأموات

GMT 10:12 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

أسرار كينيدي والشعّار!

GMT 09:46 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

قبطان العالم الجديد: دونالد ترمب!

GMT 09:45 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

هراري... الشبكات المعلوماتية ونهاية الإنسانية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشعب ضد الشعب الشعب ضد الشعب



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 18:44 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

السعودية تؤكد دعمها الثابت لقيام دولة فلسطينية
 العرب اليوم - السعودية تؤكد دعمها الثابت لقيام دولة فلسطينية

GMT 12:53 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

محمد هنيدي يخوض تجربة فنية جديدة في السعودية
 العرب اليوم - محمد هنيدي يخوض تجربة فنية جديدة في السعودية

GMT 02:54 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

انتشال جثث 39 شهيدًا من غزة بعد أشهر من الحرب

GMT 03:50 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الاتحاد الأوروبي يحاول تجنب حرب تجارية مع أميركا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab