عمرو الشوبكي
من الطبيعى أن يعرف النظام الجمهورى فى مصر فروقاً بين توجهات عبدالناصر الاشتراكى والسادات الرأسمالى، إنما الخطأ كان فى شطب المنظومة السابقة وإحداث قطيعة معها، متصورين أننا بذلك نبدأ من جديد أو على نظافة كما يتوهم البعض.
فحين قرر الرئيس السادات إعلان التعددية الحزبية، ألغى فى نفس الوقت تنظيم الاتحاد الاشتراكى العربى، ولم يفعل كما جرى فى الجزائر وباقى بلاد أوروبا الشرقية بالسماح بوجود التنظيم القديم (جبهة التحرير الجزائرية مثلا) مع الأحزاب الأخرى الجديدة.
فى مصر كان يمكن أن يبقى الاتحاد الاشتراكى، وبجواره حزب الرئيس السادات أو الحزب الحاكم، وكان من المؤكد أن حزب الدولة مادام حاكما فسيفوز على الاتحاد الاشتراكى المعارض، حتى لو حكم الأخير منفردا فى فترة سابقة أكثر من 15 عاما.
والمؤكد أن الرئيس السادات لم يقم بثورة جديدة، حتى لو قال إنها ثورة تصحيح، إنما قام بتحول سياسى مفهوم من نظام الحزب الواحد إلى التعددية السياسية المقيدة، ومن الاشتراكية والتحالف مع الاتحاد السوفيتى إلى الرأسمالية والتحالف مع أمريكا، وأسَّس الرجل لمدرسة اليمن العربى، التى صعدت فى كل الدول العربية، بعد أن ظلت محاصَرة طوال عهد عبدالناصر.
فالمؤكد أن السادات كان وطنيا وكان سياسيا بارعا، ولكنه لم يقبل مثلما اعتدنا منذ الفراعنة بأن يكون مشروع سلفه (عبدالناصر) مطروحا على ساحة التنافس السياسى مع مشروعه الجديد، فى إطار النظام الجمهورى الذى أسساه معا.
وتكرر نفس الأمر مرة أخرى عقب ثورة 25 يناير حين تبارى البعض من أجل إحداث قطيعة مع كل القديم، وتحميل الثورة المصرية طاقات أكبر من إمكانياتها ورغبات غالبية المشاركين فيها، بإسقاط دستور 71، على اعتبار أن الثورة أسقطت النظام، ويجب أن تُسقط الدستور، (وهو غير صحيح فى كثير من التجارب)، ثم حرق وحل الحزب الوطنى، حتى وصل البعض إلى المطالبة بعزل كل أعضائه (خيارات الاقتتال الأهلى)، وأضاعت مصر الطاقة الإصلاحية لثورتها فى وضع قواعد جديدة تسمح لمن لم يفسد أو يرتكب جرائم من أى حزب بممارسة العمل السياسى فى ظل مشروع لبناء دولة القانون.
المؤكد أن القطيعة مع الحزب الوطنى بحله لم تؤد إلى قطيعة مع منظومة الوطنى (الباقية)، وأن بقاءه كتيار يحكم بـ30% من أصوات الناخبين أفضل من غياب أى وسيط سياسى من أى نوع بين أجهزة الدولة والجماهير التى أصبحت تحكم بشكل مباشر، وتتدخل فى المسارات السياسية والاقتصادية دون أى شراكة مع أحد.
ثورة يناير لم تكن هى الثورة التى بقيت فى الشارع عاماً، وسقط فيها 60 ألف شهيد مثل الثورة الإيرانية، وبالتالى امتلكت طاقة تفكيك النظام الملكى القديم وبناء الجمهورية الجديدة، إنما كانت ثورة أو انتفاضة (مع تعبير الأولى) حدودها إصلاحية، ورأينا فيها شباب مصر الرائع ينظف ميادين التحرير يوم 12 فبراير، واعتبر أن مهمته قد انتهت بتنحى مبارك وإسقاط مشروع التوريث، وأنه مع البناء والتنمية ودولة القانون وليس مع الثورة الدائمة مثلما حاول البعض أن يستنطقه رغما عنه.
إن نتيجة الفعاليات الاحتجاجية وضعف أداء المجلس العسكرى دفعت المجتمع إلى الخوف من الفوضى والانهيار مع حكم الإخوان، فراهن بعدها على الأمن وبقاء الدولة، ونسى أو أجَّل مطالبه الإصلاحية فى التنمية والديمقراطية.
مساراتنا المقطوعة ضيَّعت علينا فرصاً حقيقية للتقدم وإحداث تراكم سياسى يصحح ويجدد من النظام القديم، بل أرجعتنا فى بعض الأحيان لما هو أسوأ منه، فلحظتنا الثورية التى حملت تغييرا جذريا واجتماعيا حقيقيا كانت عندما أسقطنا النظام الملكى وأسسنا الجمهورية، وفيما عدا ذلك فهى كلها نظم ومسارات سياسية تحتاج لإصلاح ومراجعة وتجديد وليس قطيعة مصطنعة لا تقدمنا للأمام.