يحلم الكثيرون بأن يستيقظوا فى الصباح ولا يجدوا إخوانيا واحدا داخل مصر وخارجها، مثلما تمنى آخرون أن تتحول طاقة الجماعة التى وظفت فى التخريب والكراهية والعنف إلى طاقة دينية لا علاقة لها بالسياسة، أو إلى طاقة حزبية لا علاقة لها بالدعوة الدينية.
والحقيقة أن كليهما فشل فى تحقيق هدفه، فلا الإقصائيون نجحوا فى إقصاء الجماعة منذ تأسيسها عام 1928 ولا «الإدماجيون» نجحوا فى دمجها فى مسار سياسى وديمقراطى.
حتماً إحدى أزمات هذا البلد هى جماعة الإخوان المسلمين، التى لا تتطور وفشلت وهى فى الحكم والمعارضة، وصارت منذ نشأتها حتى الآن أكبر داعم للاستبداد وغياب الديمقراطية، وظلت حجة مبارك فى وأد الديمقراطية وتزوير الانتخابات، ومعه كل سلطة لا ترغب فى بناء نظام سياسى كفء وديمقراطى هى: «احذروا خطر الإخوان».
والمؤكد أن الإخوان خطر حقيقى على الدولة الوطنية ماداموا لم يفككوا التنظيم الدينى الدعوى ويبنوا حزبا سياسيا مدنيا منفصلا تماما عن الجماعة الدعوية، وهو ما لم تقم به الجماعة، لأن أحد مصادر قوتها هذا التلفيق بين الدعوى والسياسى، والذى يسمح لها بتجنيد الشباب لصالح جماعة دينية ربانية تدخلهم الجنة وتعتبر نشاطهم السياسى الدنيوى الملىء بالأخطاء عملا فى صالح الله والدين، ويصبح المخالفون لها أعداء للدين، وهو ما يفسر لنا طاقة الكراهية التى أخرجتها على خلاف حتى بعض حلفائها بحق الدولة والمجتمع نتيجة هذه التربية العقائدية.
لم ينجح المجتمع ولا قواه السياسية ولا النظام الانتقالى الذى تشكل عقب ثورة يناير فى فرض هذا الفصل بين الجماعة والحزب وفى وضع القواعد الدستورية والقانونية المنظمة للعملية السياسية، قبل بدء المنافسات الانتخابية والسياسية.
ووصل الإخوان إلى السلطة بشروط الجماعة وليس الدولة الوطنية والدستور المدنى، وسقطوا بانتفاضة شعبية هائلة دعمها الجيش بتدخله فى 3 يوليو، وعزل على أثرها محمد مرسى من الرئاسة.
ومنذ ذلك التاريخ، شاهد المصريون وجهاً آخر غير وجه الجماعة المستكين والمستضعف قبل الوصول للسلطة، وظهر وجه عدوانى يشمت فى مآسى المصريين وفى شهدائهم وضحاياهم ويفرح لمآتمهم، حتى خلق حاجزا نفسيا حقيقيا وكراهية متبادلة بين قطاع غالب من المجتمع وبين الجماعة.
الغريب أن الجماعة لم تراجع مواقفها ولم تنتقد تاريخها ولا ممارستها مرة واحدة، على عكس الناصريين والشيوعيين والوفديين، فالجميع اعترف بالأخطاء، بمن فيهم حتى بعض الجهاديين.
والحقيقة أن رد فعل الجماعة على إقصائها من السلطة ظل مصدر دعم رئيسى لتيار مؤثر داخل السلطة الحالية لا يؤمن بالديمقراطية ولا يقدم أى مراجعة لأداء الدولة والنظام السياسى تحت حجة مواجهة خطر الإخوان، وتوقف الحديث عن الإصلاح ودولة القانون إلا فى المناسبات، بسبب ممارسات الإخوان وخطابهم.
رد الفعل الإخوانى على ما جرى فى 3 يوليو نادر واستثنائى لم تعرفه مصر من قبل، لا مع الملك الذى أقصاه الجيش أولا وليس ثورة الشعب، إلا أنه تقبل الأمر الواقع وظل معارضا للنظام الجديد لا مخربا أو متآمرا.
وأقصى الرئيس السادات حين وصل للسلطة من سماهم «مراكز القوى» من رجالات عبدالناصر، ومع ذلك لم يسعوا لهدم الدولة أو تفكيك الجيش أو خلخلته، رغم أن من بينهم وزير الدفاع ووزير الداخلية، رغم شعورهم اليقينى بأنهم حراس الثورة والمعبرون عن خط قائدها جمال عبدالناصر.
لقد أقصت السلطة تيارات كثيرة بطرق غير ديمقراطية، ولم يقم أحد منهم برد فعل واحد شبيه بما يفعله الإخوان الآن، فقد كره البعض السلطة وليس الشعب، ورفض البعض الآخر ما سموه «الحكم العسكرى»، ولم يفعلوا ما يفعله الإخوان الآن، رغم شعورهم بالغبن والظلم.
مشكلة الإخوان ومأساتهم أنهم لم يغيروا حجرا واحدا فى بنائهم الفكرى والتنظيمى على مدار 85 عاما، فهو تنظيم عقائدى مغلق، وهى جماعة ربانية فوق خلق الله، وأن قناعة عضو الإخوان المسلمين أن مجرد انتمائه للجماعة «جهاد فى سبيل الله»، وأن الحفاظ على الجماعة أهم من الحفاظ على الوطن والشعب، ما جعل صورتها تخرج بهذا الشكل: شماتة فى مصائب الشعب المصرى، وكراهية غير مسبوقة لكل مخالف فى الفكر والرأى، لأنها اعتبرت نفسها جماعة دينية فوق الناس والوطن والدولة، وتلك حالة غير مسبوقة فى تاريخنا الحديث.
مصر بدون إخوان لن يحدث فى الحاضر ولا المستقبل القريب، وعلى السلطة والمجتمع أن يراهنا على بناء صيغة أخرى تتجاوز صيغة الجماعة القديمة والتاريخية، التى فشلت فى تحقيق أهدافها وهى فى الحكم والمعارضة، وعطلت باستحواذها على السلطة وكراهيتها للمجتمع فرصة تاريخية على الشعب المصرى لبناء نظام ديمقراطى، ولو كان قد وصل للحكم فى 2012 أى مرشح آخر غير مرشح جماعة الإخوان المسلمين لكانت مصر فى وضع أفضل سياسيا ومجتمعيا بكثير مما هى عليه الآن، ولكانت ربما نجت أو على الأقل قللت من خطاب: «لا نريد ديمقراطية، لن نصلح مؤسسات الدولة، لأننا نحارب الإخوان»، ولكنا ربما اقتربنا من تجارب مثل تونس والمغرب وماليزيا التى نجحت فى إعادة صياغة تجربة الإسلاميين مرة أخرى على أسس ديمقراطية جديدة.
عالم بلا إخوان لن يحدث. إخوان داعمون للاستبداد هو حالنا. نظام سياسى كفء وعادل وقادر على المواجهة السياسية وعدم الخوف من الديمقراطية هو ما ينقصنا.