جزرنا المنعزلة

جزرنا المنعزلة

جزرنا المنعزلة

 العرب اليوم -

جزرنا المنعزلة

بقلم : عمرو الشوبكي

فى أى مجتمع هناك تنوع اجتماعى وثقافى يمكن أن يكون مصدر ثراء إذا كان هناك نظام سياسى عادل وكفء وديمقراطى، وفى مجتمعات أخرى يتحول هذا التنوع إلى مصدر شقاء وانقسام، خاصة إذا كانت له أبعاد عرقية أو طائفية أو دينية.

والحقيقة أن الانقسام الموجود فى مصر ليس عرقيا ولا طائفيا، وحتى الانقسام السياسى كان يمكن تخفيفه بإجراءات سياسية تحد من آثاره الضارة لا تعمقها، إنما هناك أساسا- «بجانب الانقسام السياسى المعروف»- انقسام اجتماعى وثقافى تَعَمَّق، بسبب غياب القواعد القانونية التى تنظم المجال العام والثقافة العامة والتعليم العام، وتجعل أى مجتمع يتشارك فى منظومة قيم متقاربة.

ولعل أحد أبرز الانقسامات المجتمعية فى مصر حاليا يتمثل فى الفارق بين جزيرتى التعليم الحكومى العام والتعليم الأجنبى، وهو ما يتضح فى طريقة تعامل خريجى كل «جزيرة» مع الناس والمجتمع، بجانب الفارق فى طبيعة كل وظيفة يلحق بها أبناء كل «جزيرة»، فغالبية خريجى الجامعات والمدارس الحكومية يكون تعيينهم فى المؤسسات المحلية والوطنية والوزارات المختلفة، فى حين أن غالبية خريجى الجامعات الأجنبية يلتحقون بالمؤسسات العالمية والبنوك الأجنبية والشركات متعددة الجنسيات.

ورغم انهيار التعليم الحكومى، فإننا سنجد كثيرين تعلموا تعليما جيدا بجهودهم الخاصة، سواء بكدهم وعرقهم ومتابعتهم كل ما هو ثمين خارج المقرر، أو عن طريق الدروس الخصوصية، ومع ذلك تخرَّج مئات الآلاف من طلاب المدارس الحكومية وهم فاقدون لأهم ما يميزهم، وهو إتقان اللغة العربية، حتى صارت الأخطاء البديهية وعدم القدرة على تركيب جمل عربية مفهومة- وليس بالضرورة صحيحة- سمة غالبة لكثير من خريجى المدارس الحكومية، بالتوازى مع ضعف شديد فى مستوى اللغات الأجنبية، يقابلهم خريجو المدارس والجامعات الأجنبية الذين تعلم كثير منهم كل شىء إلا اللغة والثقافة العربية، وبدا بعضهم وكأنهم سياح أجانب يعيشون فى مصر لا علاقه لهم بمجتمعها.

وإذا كان من المؤكد أنه لا يمكن وضع جميع خريجى الجامعات الحكومية ثقافيا واجتماعيا وسياسيا فى سلة واحدة، وكذلك خريجو الجامعات الأجنبية، فكلاهما متنوع ومختلف، ولكن يقينا أن هناك سمة غالبة عند كل جانب عَمَّقها العيش داخل جزر منفصلة.

إن غالبية مَن يرون أن الديمقراطية وقضايا الحريات العامة يمكن تأجيلها من أجل لقمة العيش هم أبناء الثقافة المحلية والتعليم العام، وأن تأييدهم النظام السياسى الحالى يرجع إلى صعوبة أوضاعهم الاقتصادية وعدم انفتاحهم على العالم، «رغم وسائل التواصل الاجتماعى»، مثلما هو متاح للشباب المتعولم من خريجى المدارس والجامعات الأجنبية.

والحقيقة أن هناك كتلة غالبة من كل فريق: الحكومى العام، والأجنبى الخاص، خلقت لنفسها جزيرة منعزلة بمفرداتها ولغتها الخاصة وموقفها المختلف من نظام الحكم والقيم العامة السائدة، فأبناء التعليم العام هم فى أغلبهم موظفو الحكومة والإدارات العامة بكل مستوياتها العليا والدنيا، وهم رافضو قانون الخدمة المدنية، ولا يرتاحون لفكرة الإصلاح الإدارى والمؤسسى، يقابلهم سكان الجزيرة الأخرى، الذين يرى كثير منهم أن المشكلة فى جهل الشعب، وينظرون باستعلاء إلى كل مَن يعيش داخل جزيرة التعليم العام والمحلى «Local»، دون أى قدرة على التواصل معهم والشعور بالمسؤولية تجاه تطوير أوضاعهم الاجتماعية والتعليمية.

جزرنا المنعزلة عمَّقها عدم الاهتمام بالتعليم العام، واعتباره قضية بناء مدارس وجدران، وليس مشروع النهضة الوحيد القادر على تقدم أى أمة، كما أن وجود رؤية شاملة تربط التعليم الأجنبى بثقافة المجتمع ولغته العربية، جنبا إلى جنب مع القيم الإنسانية، هو أيضا شرط بناء نخب متجانسة قادرة على التواصل فيما بينها ومع المجتمع، وكسر حصون الجزر المنعزلة.

arabstoday

GMT 04:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف إطلاق النار

GMT 00:14 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حوارات لبنانية

GMT 06:52 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

صفحة جديدة

GMT 10:17 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

خطاب ترامب

GMT 05:30 2024 الأحد ,18 آب / أغسطس

الهدنة المرتقبة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جزرنا المنعزلة جزرنا المنعزلة



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة
 العرب اليوم - أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة

GMT 18:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش اللبناني يعلن مقتل جنديين في ضربة إسرائيلية
 العرب اليوم - الجيش اللبناني يعلن مقتل جنديين في ضربة إسرائيلية

GMT 12:03 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
 العرب اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 01:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العنف فى المدارس !

GMT 05:45 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 02:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 08:22 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل جندي إسرائيلي من لواء كفير برصاص قناص شمال قطاع غزة

GMT 07:19 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 4.7 درجات يضرب أفغانستان في ساعة مبكرة من اليوم

GMT 13:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مستوطنون يحتلون مسجداً ويبثون منه أغنيات عبرية

GMT 06:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يحذّر من حقبة "تغيير سياسي كبير" بعد فوز ترامب

GMT 13:36 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"تسلا" تستدعي 2400 شاحنة من "Cybertruck" بسبب مشاكل تقنية

GMT 22:39 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سقوط قنبلتين ضوئيتين في ساحة منزل نتنياهو

GMT 16:54 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد فهمي ضيف شرف سينما 2024 بـ 3 أفلام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab