عمرو الشوبكي
الصوت الاحتجاجى ظل مرتبطا بالحركات الطلابية فى ظل النظم الديمقراطية وغير الديمقراطية على السواء، مع فارق أساسى أن الأولى قادرة على استيعاب هذه الاحتجاجات ودمجها فى مسار سياسى سلمى وإصلاحى، والثانية تواجهها بالأساليب الأمنية فتعمق من أزمتها وتتحول إلى قوة ضغط قد تفجر المجتمع ككل وتدخله فى مواجهات ثأرية مع النظام القائم، لأنه غير قادر على استيعابها فى مسار سياسى لا يؤمن بجدواه، أو لأنه من الأصل لا يوجد مسار سياسى كما فى النظم الاستبدادية.
وقد ظل الطلبة ضمير هذا البلد، حتى فى نبرته الاحتجاجية، باستثناء السنة السوداء فى العام الماضى، حين مارس كثير من طلاب الإخوان ممارسات مشينة لم تعرفها الجامعات المصرية طوال تاريخها.
ومع ذلك ظل الطلاب هم ضمير المجتمع المصرى وصوته الحى، فقد كانوا صوت الحركة الوطنية التى ناضلت من أجل الاستقلال طوال الثلاثينيات والأربعينيات، كما عبر جيل مظاهرات 1968 الطلابية (الجيل الأعظم والأكثر وعياً فى تاريخ الحركة الطلابية المصرية) عن ضمير المجتمع المصرى حين انتفضوا معترضين على الأحكام الهزيلة لبعض قادة الجيش المسؤولين عن هزيمة 67 (أحكام الطيران)، وطالبوا عبدالناصر بإجراء إصلاحات سياسية وديمقراطية دفعته إلى تقديم بيان 30 مارس الذى فتح الباب أمام تعددية سياسية وديمقراطية، لم يمهله القدر الفرصة لإتمامها.
وتكرر الأمر وإن بصورة أقل مع مظاهرات 1972 الطلابية التى طالبت بأن يحسم الرئيس السادات موقفه من تحرير الأرض بعد خطابه الشهير الذى قال فيه إنه أجل المعركة بسبب الضباب، وهو ما أثار اعتراضات الطلاب.
والمؤكد أن السادات دخل المعركة، وأن خططه فى الخداع الاستراتيجى كانت الأكثر دهاء، وأنه ربما كانت احتجاجات الطلاب فى غير محلها، ولكن ضميرهم الوطنى جعلهم هم فى الصف الأول فى دعم الشعب والجيش فى حرب 73.
صحيح أن الجامعة أيامنا (منتصف الثمانينيات) عرفت تراجعا فى دورها السياسى بعد أن أنهى مبارك أى مشاركة للشباب فى العملية السياسية إلا فقط المؤيدين للتوريث، واستمر الحال تقريبا حتى ثورة 25 يناير، وعادت الجامعة كصوت احتجاج اختلط بقدر من الاستباحة طوال السنوات الثلاث التى أعقبت الثورة، إلى أن تحول الأمر العام الماضى إلى قاعدة لقيام العناصر الإخوانية وحلفائها بعمليات تخريب منظمة وعنف إجرامى طال الأساتذة والطلاب ورجال الأمن الإدارى بل حتى المنشآت الجامعية.
تجربة الطلاب فى مصر مثل كل بلاد الدنيا مثلت نمطا احتجاجيا لا تفضله عادة النظم السياسية، ولكن النظم الحية والديمقراطية هى التى تعمل على دمج هذا الصوت فى مسار إصلاحى، كما جرى فى فرنسا 68، فمن قرأ ماذا كان يقول الطلاب اليساريون من شعارات وهتافات ثورية ضد المجتمع الأبوى والنظام الرأسمالى الذى مثله بالنسبة لهم الجنرال ديجول (بطل فرنسا القومى ومحررها من الاحتلال النازى) وكيف أصبحوا وزراء ومسؤولين كبارا فى أحزاب اشتراكية إصلاحية، سيكتشف الفارق بين نظام سياسى حى يتعامل مع الطلاب باعتبارهم جزءا من الواقع السياسى، تؤثر مقولاتهم فى النظام القائم وتعمل على تجديده وانفتاحه، ويؤثر النظام فيهم بأن يعقلن جانبا من أطروحاتهم ومقولاتهم.
للأسف، هذه الرؤية غائبة فى التعامل مع ملف الطلاب فى مصر، وأن العجز عن التمييز القاطع بين المخربين والمحرضين على العنف، وبين الطلاب السلميين- معارضين أو مؤيدين- ستكون نتائجه وخيمة، وسنشهد عاما طلابيا قد يكون أكثر سوءا وقسوة من العام الماضى إذا تصور البعض أنه يمكن بشركات الأمن فقط أن تحيا الجامعات.