طارق شعلة

طارق شعلة

طارق شعلة

 العرب اليوم -

طارق شعلة

عمار علي حسن

ما إن تدخل المكتب حتى يغمرك بابتسامته العريضة التى تملأ وجهه المستدير قليلاً، وتتسع لها عيناه الضيقتان، وتنير صلعته التى يسكنها سلام واعتداد بالنفس ورضاء، لا يتساقط أبداً ولا ينقص وهو يتأرجح بمشية مميزة فى الشوارع المؤدية إلى محطة مترو «التحرير» عائداً إلى شقته التى دفع فيها «تحويشة» العمر، أو فى شوارع قريته المتربة، التى لم يكن يطيق الغياب عنها طويلاً.

يوم واحد فارقته الابتسامة، وغرقت عيناه فى شرود طويل، لكن شفتيه كانتا تتمتمان بشىء لا يسمعه غيره، ويداه مطروحتان أمامه، إحداهما تدون حروفاً على الورق، والأخرى راقدة فى صمت فوق ملف ضخم محشو بأخبار طازجة، تفوح منها روائح الدم والبارود.

اقتربت منه وسألته:

- خير، ليس من عادتك أن تصمت.

تنهد فى وجع ورد:

- التحليل الأخير أظهر بقعة غير حميدة فى الكبد.

حاولت أن أسرّى عنه، وأفتح له باباً للأمل:

- لا تكتفِ بطبيب واحد، فربما يُظهر تحليل آخر غير ذلك.

وضع القلم على الورق ولأول مرة أرى دمعتين واقفتين على طرفى رموشه، وقال بصوت آتٍ من أعماق روحه:

- تأكدت تماماً.

ألجمتنى عبارته، وانفتحت فى نفسى أبواب الأسى، واستعدت زمام أمرى، ورحت أحكى عما أعرف عن مرض السرطان وكيف أن هناك أنواعاً كثيرة منه بوسعنا أن نُشفى منها سريعاً، وعصرت ذهنى لأستدعى بعض أسماء من قهروه، ورميتها على أذنيه، وأنا أتابع الاختفاء التدريجى لتقطيبة جبينه، والدم الذى يتدفق إلى وجنتيه الضامرتين، وأنامله التى امتدت إلى القلم من جديد.

انتظرت أن يرد علىّ، لكنه انهمك فى كتابة السطر الأخير فى الورقة الأخيرة من تقرير عن أداء زملائه الموزعين على خريطة الدنيا يمطرون رأسه المثقل بالهموم أخباراً ساخنة. ثم وضع القلم من جديد وقال:

- ها أنا قد انتهيت، وأحتاج إلى أن أسمع ما قلته من جديد.

أعدت عليه كل ما نطقت به، وأضفت إليه كل ما ورد على ذهنى من معلومات، وعلى خاطرى من مشاعر فاضت حين عانق ناظرى دوائر النور الحزين التى تصنعها شمس متأهبة للغروب ترسل إلينا إشارات النهاية من خُصاص نافذة نصف مفتوحة.

مدّ كفّيه فى بقعة الشمس بحثاً عن دفء، وقال فى يقين:

- لا ينقصنى الأمل، لكن تنقص مرضى الرحمة.

***

هكذا كان صديقى «طارق شعلة» مدير تحرير «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الذى رحل عن دنيانا صباح السبت الفائت، بنى آدم حقيقى، تسكنه ابتسامة دائمة، تنضح من روح رجل صلب ومخلص وكريم، لم أره فى يوم يضمر شراً لأحد، ولا يدس لأحد، ولا يحقد حتى على من سعوا إلى إيذائه، وكان يقابل نوائب الدنيا بضحكات متواصلة، وكيد من أرادوا النيل منه باستهانة شديدة، ولم يتنازل أبداً عن كرامته واستقامته وتمسكه بكل ما يراه حقاً وصدقاً وعدلاً.

كم تزاملنا فى أيام كفاح ضد فساد واستبداد إدارات متعاقبة، واستقام ظهرانا مع ظهور زملاء محترمين ولم تنحنِ أبداً، رغم تقلب الأيام، وانفضاض البعض عنا جرياً وراء منافع ضيقة.

رحمة الله عليك يا «طارق شعلة»، فأنت ممن لا يمكن نسيانهم، وسأترحّم عليك كلما ورد اسمك أو رسمك على خاطرى، إلى أن ألقاك فى يوم مسجل مقدور ومسطور.

 

arabstoday

GMT 13:39 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تقاتلوا

GMT 13:37 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

لبنان.. عودة الأمل وخروج من الأسر الإيراني

GMT 13:33 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ليلى رستم نجمتنا المفضلة

GMT 13:31 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ظاهرة إيجابية بين الأهلى والزمالك

GMT 13:28 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد

GMT 13:26 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

معضلة الدستور في سوريا

GMT 13:25 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

انتخابات النمسا وأوروبا الشعبوية

GMT 13:23 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

الموسوس السياسي... وعلاج ابن خلدون

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طارق شعلة طارق شعلة



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:17 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

خالد النبوي يوجه نصيحة لنجله ويكشف عن أعماله الجديدة
 العرب اليوم - خالد النبوي يوجه نصيحة لنجله ويكشف عن أعماله الجديدة

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 14:36 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مورينيو ومويس مرشحان لتدريب إيفرتون في الدوري الانجليزي

GMT 14:39 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

وست هام يعلن تعيين جراهام بوتر مديراً فنياً موسمين ونصف

GMT 09:33 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تحتفل بألبومها وتحسم جدل لقب "صوت مصر"

GMT 14:38 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتى يحسم صفقة مدافع بالميراس البرازيلى

GMT 14:30 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

جوزيف عون يصل إلى قصر بعبدا

GMT 20:44 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مانشستر يونايتد يعلن تجديد عقد أماد ديالو حتي 2030

GMT 14:32 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

كييف تعلن إسقاط 46 من أصل 70 طائرة مسيرة روسية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab