عمرو الشوبكي
حين قابلت د. محمد أبوالغار، رئيس الحزب الاجتماعى الديمقراطى، الأسبوع الماضى، لم يخف الرجل قلقه من اجتماع السبت الماضى، الذى يحسم فيه الحزب موقفه من انتخابات الرئاسة، خاصة بعد أن شهد الحزب نقاشات داخلية واسعة، اختلف فيها الأعضاء حول الموقف الذى يجب أن يتخذه الحزب من المرشح الرئاسى، وتباينت فيها الآراء بصورة واضحة.
ونجح الحزب الاجتماعى الديمقراطى ربما فى عبور أهم تحدٍ منذ نشأته قبل حوالى 3 أعوام من الآن، حين صوت أعضاؤه فى مشهد ديمقراطى محترم وحقيقى على موقفه من انتخابات الرئاسة، فجاءت نسبة التصويت بأغلبية كاسحة لصالح عبدالفتاح السيسى وبـ78 صوتا، فى مقابل 16 صوتا لحمدين صباحى، وهى نسبة قد تكون لها دلالة ومغزى فى حال إذا أسفرت نتيجة انتخابات الرئاسة عن فارق مشابه بين المرشحين، بما يعنى أن هناك حزبا سياسيا له نفس موقف الناس فى الانتخابات الرئاسية، وفى نفس الوقت فإن طريقة تأييد أغلبية أعضائه للمشير لم تكن بالمبايعة والشيك على بياض كما يحاول البعض أن يفعل.
والمؤكد أن هناك دلالة أخرى فى تصويت الاجتماعى الديمقراطى، تتمثل فى تلك النسبة الكبيرة التى اختارها قطاع واسع من أعضاء الحزب بعدم دعم مرشح بعينه، وبلغت 75 صوتا، وهو التصويت الذى لم يتح لمؤيدى السيسى أن يحصلوا على نسبة الثلثين التى تجعل الحزب كمؤسسة ينحاز لمرشح محدد.
والحقيقة أن هذه النسبة الكبيرة التى فضلت النأى بالحزب عن دعم مرشح رئاسى بعينه مثلت أطيافا متعددة، منها من تخوف من انقسام الحزب إذا أعلن بشكل واضح دعمه لمرشح بعينه، خاصة أن بداخله اتجاهات وآراء متعددة، ومنها أيضا من رأى أن أغلب أعضاء الحزب يؤيديون السيسى، وأن الدعم الرسمى والحزبى له سيعنى عدم وجود أى هامش للمناورة داخل الحزب يتيح له ترشيد المسار أو نقده، خاصة بعد أن اتضح وجود أخطاء كثيرة فى الإدارة السياسية الحالية قد يدفع ثمنها الوطن كله.
والمؤكد أن هذا الاختيار الذى اتخذه الحزب كان الاختيار الأفضل، وهو فى النهاية يعكس صيغة ديمقراطية حقيقية تحتاجها الأحزاب المصرية، حتى يكون لها مبرر ومشروعية حين تطالب النظام القائم بإصلاحات سياسية وديمقراطية، فتقول إنها أولا طبقتها على نفسها.
تجربة الاجتماعى الديمقراطى، وقبلها انتخابات الوفد، وقبلهما انتخابات الدستور تقول إن هناك تحولا فى أداء الأحزاب المدنية وفى قدرتها على إدارة خلافتها الداخلية بشكل ديمقراطى، وإن وجود تيارات وآراء داخلها هو مصدر تنوع وثراء وليس عيبا أو عورة يجب إخفاؤها أو وأدها.
نجاح الاجتماعى الديمقراطى فى إدارة عملية انتخابية فيها آراء واتجاهات متعددة، فى ظل حالة تعانى فيها البلاد من استقطاب وانقسام كبيرين، يعتبر رسالة مهمة لكل من يتصور أن مصر يمكن أن تقف على أقدامها برجال الدولة فقط دون الأحزاب، تماما مثل هؤلاء الذين تصوروا أنه يمكن أن تكون هناك أحزاب وعملية سياسية دون دولة وطنية وجيش وطنى متماسك، فما تحدثنا عنه من قبل عن شراكة مطلوبة بين الدولة المصرية والأحزاب المؤمنة بالدولة الوطنية، وليست أحزاب الدولة، هو الضمان لعبور هذا البلد من أزماته الكثيرة.
مبروك للاجتماعى الديمقراطى عبوره الديمقراطى، ومبروك للقوى المدنية والديمقراطية بداية النجاح فى بناء أحزاب ديمقراطية.