عمرو الشوبكي
حين تجد من يعتبر أن دعم غزة لابد أن يبدأ بإهانة الجيش المصرى وسبه، والشماتة فى شهدائه (شهدائنا)، ولا يميز بين قافلة تدعم الشعب المحاصر فى غزة، وبين وقفة احتجاجية تهتف ضد العسكر، تتأكد أن هناك خللاً نفسياً وسياسياً لدى بعض من احترفوا المزايدة والمتاجرة بكل شىء من الثورة حتى شهداء غزة.
والمؤسف أن الوجه الآخر لهؤلاء هم نفس الشامتين المتبلدين الذى استمروا معنا منذ عهد مبارك، واعتبروا أن دعم غزة والتضامن معها هو خصم من رصيد مصر، وهى كارثة أخرى لا تقل فداحة عن صريخ بعض النشطاء ومناضلى فيس بوك.
صادم أن تجد فى مصر من يقول لإسرائيل استمرى فى عدوانك وقتلك للمدنيين، لأن من يسيطر على غزة هو حركة حماس، ويخرج علينا كل يوم بخطاب يقول إن علينا أن نهتم بمشاكلنا، وإن مصر مليئة بمشكلات اقتصادية وسياسية لا حصر لها، علينا أن نواجهها أولاً قبل أن نهتم بدعم غزة والقضية الفلسطينية، عملاً بالمثل الشعبى «ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع».
ورغم أن الدعم المادى والإنسانى الذى نقدمه إلى الفلسطينيين محدود، مقارنة بالأوضاع الكارثية التى يعيشها هذا الشعب، فإن هذا لم يحل دون استمرار تلك الحملة الدعائية التى تضع مشكلاتنا التى فشلنا فى حلها فى مواجهة مشكلات الشعب الفلسطينى التى لم نسهم فى حلها.
والمؤسف أن هذه الحملة الإعلامية المسعورة ضد غزة بدت وكأنها «ضد الطبيعى»، فالإنسان له عقل وقلب، وعنده مشاعر وفطرة إنسانية، اجتهدنا لفترات من أجل أن نغير فى هذه «المكونات الطبيعية»، فنخلق لغة عدوانية تجاه الشعب الفلسطينى العظيم طوال الوقت، والجزائرى عقب مباراة كرة، وأخيرا جريمة إهانة الشعب المغربى، ثم يتصور بعضنا أننا بذلك انتصرنا لمصر، ونتناسى أننا نوجعها، ونخلق مواطناً عاجزاً عن أن يعطى قيمة مضافة فى عمله أو تربية أبنائه أو فى سلوكه مع جيرانه وأهله، حين نحمله بثقافة الكراهية والأنانية الشديدة تجاه، ليس فقط الفلسطينى، إنما أيضا المواطن المصرى البسيط الذى تركناه فريسة حرمان اقتصادى وسياسى.
يجب ألا يتصور أحد أن من يقول إن مشكلات مصر سببها القضية الفلسطينية هو صادق فى كلمة واحدة مما يقال، فقد أوقفت مصر حروبها مع إسرائيل منذ أكثر من 40 عاما، وانفردت بتوقيع اتفاقية سلام منذ 35 عاما، ورغم ذلك فشلت فى تحقيق التنمية الاقتصادية والإصلاح السياسى، فما دخل فلسطين بفشلنا الداخلى؟
والمؤكد أن مصر غير مطالبة بالدخول فى حروب أو مغامرات عسكرية ضد إسرائيل، ولم يطلب منها أن تهمل مشكلات المصريين لصالح حل مشكلات الفلسطينيين، ولكن فشل حكوماتها المتعاقبة فى حل مشكلات الشعب المصرى جعل البعض يخلق تناقضاً وهمياً بين التعاطف مع القضية الفلسطينية والمحاصرين فى غزة، وبين مشكلات مصر التى تعمقت فى ظل اتفاقات السلام.
دعم غزة من قبل المصريين واجب، وهو أمر لا يخص فقط مناضلى الوقفات الاحتجاجية، إنما يجب أن تعمل الجمعيات الأهلية المصرية على تقديم دعم حقيقى (مادى ومعنوى) لسكان القطاع بعد أن شاهدنا جرائم ضد الإنسانية ترتكب فى حى الشجاعية وتفرج عليها العالم، فلا تحرموا المصريين من ألا يكونون متفرجين ويتضامنون مع أهل غزة ليس من أجل المزايدة، إنما من أجل احترام إنسانيتنا وكرامتنا قبل دعمنا لفلسطين وشعبها.