مبروك تونس

مبروك تونس

مبروك تونس

 العرب اليوم -

مبروك تونس

عمرو الشوبكي

عقب اندلاع الثورة التونسية كتبت مقالا سميته «مصر ليست تونس» تحدثت فيه عن الفروقات الاجتماعية والسياسية والثقافية بين كلا البلدين، ورغم أن المقال لم يشد بنظام مبارك، وتحدث عن الاختلاف بين المجتمعين، إلا أن ثوار ومناضلى فيس بوك اعتبروه تحريضا ضد قيام الثورة فى مصر، لأنهم تصوروا أن الثورة هدف وبعضهم اعتبرها مهنة، ولم يفهموا أنها حالة اضطرارية تتمنى المجتمعات الطبيعية ألا تقع فيها وتدفع ثمنها، وأن النجاح الحقيقى ليس فى إشعال الثورة، إنما فى القدرة على بناء نظام سياسى جديد بصرف النظر عن الوسيلة إذا ما كانت ثورة أو إصلاحا.

وبعد مرور أكثر من 3 أعوام على اندلاع الثورة فى كلا البلدين اتضح، بما لا يضع مجال للشك، أن مصر ليست تونس، لاعتبارات ليست بعيدة عما سبق أن أشرت إليه فى المقال المذكور، خاصة بعد أن عبرت تونس الاختبار الصعب وأجرت انتخابات تشريعية ديمقراطية تقدم فيها حزب نداء تونس الذى يضم قوى مدنية محسوبة على النظام القديم وأخرى حديثة لم تنتم إليه، وخسرت حركة النهضة المنتمية لمدرسة الإخوان المسلمين لتكون بذلك أول حزب إخوانى فى العالم العربى يقبل بخسارة الانتخابات.

والمؤكد أن هناك جملة من الأسباب جعلت الخبرة التونسية تسير فى الاتجاه الصحيح، رغم التحديات الكثيرة التى مازالت تواجهها مقارنة بتعثر التجربة المصرية وانهيار التجربة الليبية واليمنية.

الفارق الأول يتعلق بالفارق بين البيئة الاجتماعية والثقافية فى كلا البلدين، ففى تونس نسبة الأمية حوالى 15%، وفى مصر حوالى الثلث، أما الطبقة الوسطى فهى أكثر اتساعا فى تونس عن نظيرتها المصرية، خاصة فى ظل التفاوت الكبير فى عدد السكان بين البلدين (مصر 85 مليونا، وتونس 11 مليونا)، وأخيرا فإن نظام مبارك أعطى صحيحاً هامش أكبر لحرية الرأى والتعبير، مقارنة بنظام بن على إلا أن الأخير امتلك جهاز دولة محدود العدد وأكثر مهنية وكفاءة من نظيرة المصرى، وعرف تعليما عاما وصحة عامة أفضل بكثير من مصر، ومساواة بين الرجل والمرأة ومدنية للمجال العام ودورا للتنمية الثقافية فى تشكيل وعى الناس، خاصة فى ظل انفتاح العمالة التونسية على أوروبا، مقارنة بالحالة المصرية التى تركزت عمالتها فى دول الخليج العربى.

صحيح أن تونس امتلكت نظاماً سياسياً مستبداً، لكنه ترك لمواطنيه تعليما جيدا ورصيفا يسير عليه الناس، أما مصر فواجهت نظاماً أقل استبداداً، لكنه أكثر تدميرا وتخريبا لكل ما له علاقة بالمهنية، وأن معركة مصر الأساسية لن تكون فقط فى المجال السياسى بوضع تشريعات تدعم الحريات العامة وتحترم حقوق الإنسان، إنما فى إعادة بناء مؤسسات الدولة واستعادة الحد الأدنى من مهنيتها وكفاءتها.

الفارق الثانى يتعلق بالفاعلين السياسيين، والعائق الأول أمام نجاح تجارب التحول الديمقراطى فى العالم العربى يتمثل فى وجود تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، ورغم أن حزب حركة النهضة ينتمى فكريا لمدرسة الإخوان المسلمين إلا إنه اختلف عنها بصورة كبيرة، فهو «فاعل حزبى لا تحركه جماعة سرية رفضت أن تقنن وضعها، اسمها جماعة الإخوان المسلمين، كما كان الحال فى مصر، ويوجد رئيس واحد لحركة النهضة هو راشد الغنوشى ولا يوجد له مرشد ولا نائب مرشد ولا مكتب إرشاد تصدر له كل يوم أوامر مطلوب منه أن يسمعها ويطيعها.

صيغة تونس سمحت بأن يكون هناك قياديون داخل النهضة يفكرون خارج الصندوق، ويعترفون بالخطأ ويجتهدون من أجل تصحيحه بصرف النظر عن مدى نجاحهم من عدمه، فى حين أن فى مصر لم نجد قياديا إخوانيا واحدا اعترف بأنهم أخطأوا فى شىء سواء بتشكيل حكومة فاشلة، أو التمسك برئيس ضعيف أو الجماعة السرية أو ممارسة العنف وبث التحريض والكراهية.

لقد تغيرت حكومة النهضة الانتقالية مرتين قبل أن تخسر الانتخابات التشريعية الأخيرة وتهنئ الفائز: الأولى عقب اغتيال المناضل اليسارى شكرى بلعيد برصاص غادرة، فتحملت حكومة النهضة المسؤولية السياسية واستقالت وشكلت حكومة جديدة تم فيها تحييد وزارات السيادة (الداخلية والعدل والخارجية والدفاع) بعيدا عن حركة النهضة، كما طالبت المعارضة.

واستمرت هذه الحكومة لأشهر وحدثت فى عهدها اغتيالات ثانية وعمليات إرهابية راح ضحيتها العشرات من رجال الأمن والمواطنين، ونزل التوانسة مرة أخرى إلى الشوارع مطالبين باستقالة الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات وطنية يرأسها شخص من خارج حزب النهضة، وهو ما قبلته الأخيرة وجرت الانتخابات تحت إشراف حكومة محايدة.

فى تونس أيضا هناك الاتحاد التونسى للشغل الذى يمتلك رصيدا شعبيا وتاريخا نضاليا ومهنيا كبيرا سمح له بأن يلعب دورا رئيسيا فى المفاوضات التى دارت بين النهضة والقوى المعارضة، وهو ما غاب فى مصر وجعل الاستقطاب يصل لمداه لأنه لم يكن صراعا بين قوى وأحزاب سياسية، كما هو الحال فى تونس، يمكن فيه الوصول إلى حلول وسط، إنما كان بين جماعة عقائدية مغلقة وبين أغلب الشعب المصرى.

لقد بدأت تونس مسارها منذ اليوم الأول بطريقة صحيحة: دستور أولا، ثم تنافس انتخابى ثانيا، فطبقت «كتالوج النجاح»، كما تقول تجارب التحول الديمقراطى الناجحة رغم التحديات، أما نحن فقد فعلنا العكس واخترنا، منذ اليوم الأول، «كتالوج التعثر» ولا نقول الفشل الذى نتمنى أن نتجاوزه.

مبروك تونس صاحبة الثورة الملهمة وتجربة النجاح الوحيدة فى دول الربيع العربى.

arabstoday

GMT 02:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (الجزء 1)

GMT 02:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الوفاء غائب ولغة التخوين والحقد حاضرة

GMT 02:10 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حين ينهار كلّ شيء في عالم الميليشيا

GMT 02:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 02:04 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الرفاق حائرون... خصوم ترمب العرب

GMT 02:01 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شبحا كافكا وأورويل في بريطانيا

GMT 01:58 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

التوسع والتعربد

GMT 01:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أميركا دونالد ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مبروك تونس مبروك تونس



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة
 العرب اليوم - أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة

GMT 02:44 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
 العرب اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 12:50 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

موسكو تدعو "حماس" إلى الإفراج "الفوري" عن مواطنين روسيين

GMT 12:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

انفجار قوي يهز العاصمة السورية دمشق ويجري التحقق من طبيعته

GMT 13:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب تطرح ميزة “مسودات الرسائل” الجديدة

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 20:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترمب يُعدّ قائمة بمسؤولين في البنتاغون لفصلهم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab