عمرو الشوبكي
العلاقات العربية العربية يحكمها دائما الحديث عن الأخوة والمصير المشترك والتطابق فى وجهات النظر وكم هائل من الشعارات العامة التى لا تقدم ولا تؤخر كثيرا.
والواقع يقول لنا إن وراء الكواليس دائما ما تكون هناك تباينات فى وجهات النظر، وفى علاقات الدول العربية بمحيطها الخارجى، وأولوياتها السياسية ومع ذلك يتم إخفاؤها واعتبار الحديث عنها تعكيرا لصفو العلاقات الأخوية بين العرب.
والسؤال المركزى: هل هناك أمن قومى عربى؟ والإجابة نظريا وفكريا: نعم هناك أمن قومى عربى، لأن هناك تهديدات تواجه العرب، أما من الناحية العملية فكل الدول العربية تقول إن هناك أمنا قوميا عربيا، ولكن تعريفها للتهديدات وأولويات مواجهته تختلف من دولة أو مجموعة دول إلى أخرى.
فمثلا السعودية ترى أن إيران تمثل تهديدا مباشرا لأمنها الوطنى والقومى على السواء، وأنها خطر حقيقى على شرعيتها ودورها. وفى الوقت نفسه فإن الدول العربية، بما فيها مصر، تشاركها فى الحديث عن التوسع الإيرانى، لكنها لا تصل بالضرورة إلى اعتبارها هى مصدر التهديد الأول (وأحيانا الوحيد) للأمن القومى العربى، خاصة فى ظل وجود دولة احتلال استيطانى مجاورة وهى إسرائيل، وأيضا فى ظل تصاعد الحديث المصرى عن الخطر الإخوانى أو بالأحرى اعتبار التنظيم الدولى للإخوان هو مصدر التهديد الأول للأمن المصرى ومعه كل جماعات الإسلام السياسى.
عمليا هناك ترجمة على الأرض لهذا التفاوت فى رؤية مصادر التهديد، فالسعودية تعتبر أن الحوثيين خطر مباشر على أمنها الوطنى وعلى كيانها كدولة، وبالتالى قادت تحالفا عربيا دعمته مصر من بعيد لدحر الحوثيين وإعادة الشرعية لليمن، فى حين أن مصر ترى أن الدواعش وحلفاءهم الإخوان فى ليبيا هم مصدر الخطر الرئيسى عليها وعلى دولتها ونظام الحكم فيها، وبالتالى قامت بضربتها الجوية الناجحة ضد معسكرات داعش مطلع هذا العام، وفى الوقت نفسه دعت لبناء قوة عربية مشتركة (تعثرت) اعتبرتها مصادر سعودية أنها بغرض تحقيق الأهداف المصرية فى ليبيا وليس العربية، فى حين أن مصادر مصرية أخرى اعتبرت أن مشاركة السعودية فى القوة العربية المتعثرة مرتبطة بمشاركة الأولى فى الحرب الدائرة فى اليمن، وهو ما يعتبر أولوية سعودية وليس بالضرورة مصرية.
وهنا سنجد أن قضية الأمن القومى العربى وظفت فى كلتا الحالتين لأهداف وطنية تخص مصالح وحسابات كل دولة، فالسعودية تحدثت عن الأمن القومى العربى فيما يحقق مصالحها ومصر كذلك، والمطلوب ليس القول إنه لا توجد تهديدات للأمن القومى العربى (لأنها موجودة) إنما جعلها محصلة للتهديدات التى تتعرض لها كل دولة على حدة، والتعامل بشفافية مع المصالح الوطنية.
مؤكد أن العالم العربى ليس أعجوبة فى العالم فكل التكتلات الكبرى عملت على توحيد مصادر التهديد مثلما فعل الاتحاد الأوروبى، ومع ذلك اختلفت دوله كثيرا حول طرق محاربة هذه التهديدات بل وتعريفها، وكذلك اختلفت على سياسات كبرى مثل الموقف من حرب الخليج ومن الغزو الأمريكى للعراق بصورة عميقة، ومع ذلك استمر الاتحاد الأوروبى متماسكاً رغم الانقسام.
العالم العربى فى حاجة إلى أن يتغير وأن يعترف بالحسابات الوطنية لكل دولة وأن يبنى أمنه القومى على أساس الاعتراف بهذه الحسابات، لأن هناك قضايا كبرى مثل التنمية الاقتصادية والسياسية والحفاظ على الكيانات الوطنية وإصلاحها، ومحاربة الإرهاب، هى كلها بمثابة تحديات للأمن القومى العربى، وأنه يجب دمجها مع المصالح الوطنية لكل دولة حتى نبنى مشروعاً للأمن القومى العربى فعالاً وواقعياً.