بقلم : عمرو الشوبكي
هل هناك حساسيات بين مصر والسعودية؟ وهل اختلاف الخبرات التاريخية بين البلدين وتفاوت القوة الاقتصادية جعلا هناك تيارات داخل كل بلد لا ترتاح لهذه العلاقة المتينة والخاصة؟، الحقيقة أن أفضل مستوى فى العلاقات بين البلدين، والذى غابت عنه أى حساسيات، كان أثناء مواجهة التحديات الخارجية فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، رغم خلاف النظم والتوجهات السياسية، حيث لم يحسب الكثيرون الدعم السعودى لمصر عقب 67 على أنه مساعدة من بلد غنى لآخر يعانى اقتصاديا، إنما هو دعم واجب فى معركة تحرير ضد محتل، وهو ما تأكد بعد ذلك فى حرب 73 حين أوقفت السعودية تصدير البترول «مصدر الدخل تقريبا الوحيد فى ذلك الوقت» للدول الغربية.
ومع تغير الظروف السياسية وتوقيع مصر اتفاقات سلام مع إسرائيل أصبحت العلاقة الاقتصادية بين البلدين تقوم فى جانب رئيسى منها على دعم دولة نفطية غنية لاقتصاد دولة تعانى مشاكل الفقر ونقص الموارد الاقتصادية.
ويقينا هذا التغير الذى حدث فى الأوضاع الاقتصادية فى كلا البلدين جعل هناك تيارا فى مصر يستدعى الماضى الملكى والناصرى «على ما بهما من تناقض» حين كانت مصر فى وضع اقتصادى أفضل من السعودية، وكانت قادرة على أن تقود العالم العربى دون أن تقيدها أزماتها الاقتصادية، يقابله تيار آخر داخل السعودية نظر باستعلاء إلى أوضاع مصر الاقتصادية، واعتبر أن الدعم السعودى لمصر لا يُقابَل بولاء سياسى مصرى مساوٍ.
ومع ذلك ظل التيار الغالب داخل مصر والسعودية مؤيدا للتحالف بين البلدين، مُرحبا بالدعم والاستثمارات السعودية فى مصر، واعتبرها ركيزة للحفاظ على الأمن القومى العربى ومواجهة التحديات التى تواجهها الأمة العربية، خاصة تحدى الإرهاب وتفكيك الكيانات الوطنية ومواجهة الأذرع الإيرانية التخريبية فى المنطقة.
صحيح أنه فى ملفات المنطقة الشائكة هناك توافقات أكثر من التباينات، فهناك توافق على الملفين الليبى واليمنى والحرب على الإرهاب، وهناك تباين فيما يتعلق بالملف السورى، ويتركز حول اعتبار إسقاط بشار الأسد شرطا لبدء المرحلة الانتقالية كما ترى السعودية ومعها جانب من المعارضة السورية، فى حين أن مصر تميل إلى عدم وضع إسقاط بشار شرطا لانطلاق المرحلة الانتقالية، لأن ذلك فى حال حدوثه سيترتب عليه دخول سوريا فى حالة من الفوضى والدمار تفوق بمراحل ما يجرى الآن وما جرى قبلها فى العراق.
ويبقى السؤال الكبير: هل الدعم الاقتصادى السعودى لمصر والتحالف السياسى والاستراتيجى بين البلدين يأتى فى وقت نجاح واستقرار لكلا النموذجين أم أزمات داخلية وتهديدات خارجية؟.
الحقيقة أن التحديات التى تواجهها مصر والسعودية فى الوقت الحالى هى الأصعب منذ تأسيس النظام الملكى فى السعودية والجمهورى فى مصر، فالسعودية تواجه كما هى العادة أذرع إيران المسلحة «حزب الله والحوثيون والأحزاب الشيعية العراقية»، إنما أيضا تواجه «حرب نماذج»، عقب قيام إيران بإعادة صياغة علاقتها مع الغرب مرة أخرى، بعد التوقيع على الاتفاق النووى، واتهمت العرب بشكل عام- والسعودية بشكل خاص- بأنهم مصدر الإرهاب فى العالم، وخاضت حربا سياسية وإعلامية شرسة ضد النظام السعودى، ونجحت فى تحقيق بعض النجاح فى بعض الأوساط الغربية التى كانت مغلقة أمام الخطاب الإيرانى.
أما مصر فهى تعانى من أزمات داخلية ومن تعثر تجربتها الديمقراطية ومن سوء فى الأداء وغياب للرؤية السياسية، عقَّده هجوم غربى وأمريكى على نظامها السياسى أدى إلى انهيار السياحة وتراجع الاستثمارات.
لا يجب أن يتصور البعض أن الدعم السعودى لمصر والتحالف بين البلدين هو من أجل إخفاء مثالب داخلية، وتأخير فاتورة إصلاحات مطلوبة على الصعيدين السياسى والاقتصادى، لأن هناك تهديدات كثيرة وتحديات أكبر تحيط بكلا البلدين، ومواجهتها لن تكون بتحالفات تُسكِّن الأوضاع وتؤجل استحقاقات فورية تطور البناء الداخلى فى كلا البلدين، خاصة مصر، حتى نستطيع مواجهة تحديات وتهديدات الداخل والخارج.