بقلم : عمرو الشوبكي
حين كتبت، منذ أكثر عامين، مقال «مظاليم وراء القضبان» (9/2/2014) لم أكن أتوقع أن تستمر المظالم طوال هذه المدة بل ويتحدث عنها الرئيس أكثر من مرة، ومع ذلك استمرت المظالم والمظاليم.
يقيناً هناك من اعتقل نتيجة تورطه فى ممارسة عنف أو التحريض عليه، ولكن يقيناً هناك من اعتقل ولم تكن له علاقة بأى عنف ومازال خلف القضبان، بل إن بعض هؤلاء مثل حالات إنسانية صعبة، وأيضا رموز فكرية وثقافية هم من أبعد ما يكونون عن الجماعات المحرضة أو الممارسة للعنف.
يقيناً السلسلة طويلة من أسماء شباب بعضهم معارض سياسياً ودفع ثمن حريته بسبب بعض مواد قانون التظاهر، والبعض الآخر مثل حالة صادمة على المستوى الإنسانى لأنه لم يتجاوز عمرة 16 عاما مثل الصبى محمود الذى قبع خلق القضبان عامين بتهمة ارتداء تى شيرت يحمل رسم وطن بلا تعذيب (هل نتخيل ذلك؟)، وهناك الصبية الخمسة الذين حكم عليهم بالسجن بتهمة ازدراء الأديان، وهناك المثقف الوطنى والباحث المرموق هشام جعفر، الذى ساهم فى وضع رؤية مصر 20/ 30 ودعى فى اجتماعاتها التحضيرية وله رؤية علمية نقدية فى فكر جماعة الإخوان المسلمين، ومع ذلك مازال وراء القضبان منذ أكثر من 4 أشهر رغم ظروفه الصحية.
صحيح هناك أسماء مظلومة خرجت بعضها بعد سنتين مثل محمد العراقى (أمين حزب الكرامة فى الشرقية واعتقل عقب مشاركته فى مظاهرة ضد الإخوان فى عهد مرسى)، وبعضها بعد أشهر مثل محب دوس الذى خرج الأسبوع الماضى (ألف مبروك)، وهناك أسماء مازالت خلف القضبان مثل الطبيب المصرى الشاب المقيم فى ألمانيا واعتقل منذ أكثر من 3 أشهر بتهمة المشاركة فى وقفة احتجاجية سلمية على كوبرى 6 أكتوبر.
نعم لقد خالف أحمد قانون التظاهر (المعيب) ولكن أمناء الشرطة خالفوه وموظفى الحكومة خالفوه ومظاهرات الألتراس خالفته وغيرهم من فئات المجتمع التى تبدو فى وضع أقوى ومسموح لها أن تخالف القانون دون أن يحاسبها أحد وفقا لقواعد دولة المواءمات والخطوط الحمراء التى نعيش فيها.
هل توجد علاقة بين هؤلاء والإرهاب؟ يقيناً لا، ومع ذلك ظلوا وراء القضبان، ونسى بعضنا أو تناسى أن مصر لن تتقدم بخطاب رفض الإخوان ومحاربة الإرهاب ودون أن تمتلك رؤية سياسية متكاملة يكون من أولوياتها الحفاظ على التماسك المجتمعى، وعدم تعميق الانقسام والكراهية المتبادلة.
البعض يتصور أن بقوله كل يوم إن الإخوان جماعة إرهابية تتآمر على الوطن سيقضى عليها، فى حين أن مواجهة الجماعة يجب أن تكون فكرية وتنظيمية، وأيضا بمشروع سياسى واجتماعى بديل قادر على حصارها بالسياسة والفكر قبل الأمن وإلا ستبقى موجودة وستنمو.
اعتماد الخيار الأمنى كحل شبه وحيد فى المجالين السياسى والاجتماعى واستبعاد باقى الحلول الأخرى سيضر بالبلد ككل، وسيعمق الجروح المجتمعية، وسيعقد الوضع السياسى، وأن من يتصور أن هناك نظاما سياسيا يميز بين المؤيدين والمعارضين، وبين الشعب والنخبة وأنه قادر أن يتواصل مع الجماهير مباشرة دون وسيط سياسى من أى نوع هو اختراع لن ينجح.
العفو الشامل عن كل من لم يرتكب جريمة أو يحرض على العنف مهما كان اتجاهه بات أمراً ضرورياً اليوم قبل الغد.