عمرو الشوبكي
كثير من خصوم يناير يحمّلون الثورة مسؤولية كل المصائب التى شهدتها مصر حتى الآن، من تدهور اقتصادى وانهيار السياحة وإرهاب ووصول الإخوان للسلطة، وينسون أو يتناسون مسؤوليتهم ومسؤولية نظام مبارك عما جرى فى مصر طوال السنوات الخمس الماضية.
يقينا هناك تيار واسع فى مصر كامل الحقوق والأهلية يكره الثورة (أى ثورة)، ولا يرتاح من الأساس لفكرة التغيير الثورى، ولا يطيق أن يرى النشطاء الثوريين ويسمع سيرتهم، وهؤلاء ليسوا فاسدين ولا سارقين ولا «فلول»، إنما هم مواطنون مصريون عاديون تقليديون تجدهم فى القرى بين العمد ونواب الخدمات، وفى المدن داخل الجهاز الإدارى للدولة الذى قد يحتج غالبا لمطالب فئوية ولكنه لا يثور لمطالب عامة.
القوى التقليدية فى مصر، أو ما يمكن وصفه باليمين المحافظ فى البلاد الديمقراطية، رفضت يناير وحملتها كل المصائب، وهى فى مساحة أخرى غير ما يقوله المخبرون الرخيصون والفاسدون واللصوص من أعداء ثورة يناير.
ولأن الطرف الثانى مكانه وراء القضبان عبر محاكمات عاجلة وناجزة لا النقاش معه حتى لو كان صوته عاليا، فإن الطرف الأول، وهو ربما الآن أغلب الشعب المصرى، رأيه محترم ويستحق النقاش، فهو يحمّل يناير مخطئا كل مصائب مصر، انطلاقا من رفضه فكرة الثورة من الأساس.
والحقيقة أنى أشارك القوى المحافظة والتقليدية فى مصر فكرة عدم تفضيل الخيار الثورى أو الحل الثورى وعدم تمنيه، ولكن السؤال المطروح: من يتحمل مسؤولية دفع شعب من الشعوب نحو الثورة؟ هل هم مائة عميل مثلا أو مائة مشبوه أو مؤامرات خارجية، أم بالأساس فشل داخلى للنظام القائم دفع ملايين من أبناء الشعب إلى الثورة والاحتجاج؟
فإذا كنت من رافضى الثورة وكارهيها فعليك أن تسأل نفسك: لماذا أقدم شعب من الشعوب على هذا الفعل «الكريه» (كما تراه) بالثورة؟ فكل من ينتقد ثورة يناير يرى أن الثورة تجلب الفوضى والخراب ولا تبنى، ولكنه لا يجيب عن سؤال: من المسؤول عن دفع الناس للثورة.. أليس النظام القائم؟
والحقيقة المؤكدة أن النظام الذى بقى فى الحكم 30 عاما متصلة، وشرع فى توريث السلطة، وأهان الشعب كل يوم، وتجاهل همومه ومصائبه، هو الذى دفع الشعب المصرى إلى أن يمارس سلوكا طبيعيا جدا بثورته فى 25 يناير، فقد جاءت عقب قيام محتكر الحديد بمحاولة احتكار السياسة بنفس الطريقة، فأشرف وهندس على تزوير انتخابات 2010 (راجع مقالى فى ديسمبر 2010 «عالم عز الافتراضى»)، التى حصل فيها الحزب الوطنى على 97% من الأصوات بتزوير غير مسبوق، فكانت القشة التى قصمت ظهر البعير، وخرج الشعب فى ثورة يناير.
الثورة التى ترفضها لابد قبلها أن ترفض أسبابها، وتمتلك الجرأة على القول إن الخيار الإصلاحى الذى تتبناه، طالما كنت لا تنتمى لعصابات الفساد والإفساد، أفشله نظام مبارك بإغلاقه باب الانتخابات ولو شبه الحرة، وبالتوريث البغيض، وبغياب العدالة الاجتماعية، وبقاء رموز السلطة فى أماكنها مثله 30 عاما، وأن النظم الديمقراطية تواجه الثورة بالامتصاص المبكر لغضب الناس وتحويله لسياسات جديدة.
الثورة فعل اضطرارى يتحمل اندلاعها بشكل رئيسى النظام الذى خرجت ضده الثورة، وفى حالة مصر لم يكن هناك تنظيم سياسى ثورى أو غير ثورى ولا بديل أو مشروع سياسى متكامل للثورة، ولو كانت هناك وجوه إصلاحية داخل دولة مبارك من خارج شلة التوريث لكان أغلب الناس قبلوا بواحد منها يقود البلاد فى مسار إصلاحى آمن، (وهل هذه تتحملها الثورة أيضا أم مبارك؟).
لم تكن هناك بادرة ضوء إصلاحية واحدة جاءت من داخل نظام مبارك، وحين يقوم الناس بالفعل الاضطرارى، ممثلاً فى الثورة، ندينهم وننسى مسؤولية النظام عن إغلاق كل أبواب التغيير السلمى.
تحية لثورة يناير، ولكل شهيد من أبنائها، ولكل من آمن بمبادئها وقيمها ولم يتاجر بها.