نقابة الشرطة

نقابة الشرطة

نقابة الشرطة

 العرب اليوم -

نقابة الشرطة

عمرو الشوبكي

قد يكون من أخطر ما تواجهه مصر الآن عجزها عن بناء نظام سياسى يمتلك أدوات حديثة لإدارة الشأن العام، وصراعات المصالح والطبقات والقوى الاجتماعية، فمازلنا أسرى خطاب الأصابع الخفية التى تعبث بالأمن القومى والتهديدات التى يمر بها الوطن، وهى كلها أمور فى معظمها صحيح وحقيقى، ولكننا لن نستطيع مواجهة هذه التحديات إلا بنظام سياسى كفء، ودولة قانون قادرة على التفاوض مع الأطراف المدنية المختلفة بشكل سلمى وتوافقى، حتى تستطيع أن تبنى جبهة داخلية قوية قادرة على مواجهة التحديات.

ولعل ما جرى مع إضراب أمناء الشرطة فى الشرقية يدل على أن الحكومة نجحت بامتياز فى ترحيل المشكلة وليس حلها، مع أن السؤال الأول الذى يجب أن يُطرح فى هذه الحالة: مَن الجهة المنوط بها عرض مشكلات رجال الشرطة ضباطاً وأمناء وأفراداً؟ هل هناك ما يمنع من أن تكون هناك نقابة للشرطة فى مصر كما جرى فى تونس بعد ثورتها؟

إن جهاز الشرطة كما هو معروف هيئة مدنية، وإذا كانت هناك موانع حالية لتشكيل مثل هذه النقابة فهل يمكن لأندية الضباط مثلاً أن تقوم بهذا الدور فى صورة قد تتشابه مع نادى القضاة؟ وهل يجب أن تكون هناك صيغة مشابهة بالنسبة للأمناء والأفراد العاملين فى وزارة الداخلية تتجاوز تجربة الائتلافات السلبية؟

فى حال تأجيل موضوع «نقابة الشرطة»، بسبب «المرحلة الدقيقة» كما يقال يومياً، فإن السؤال المطروح: مَن الجهة أو المسار التفاوضى الشرعى الذى يجب على أى هيئة مدنية أن تدخل فيه فى حال وجود خلاف أو مطالب لأعضائها؟ لأنه فى كل الهيئات المدنية بما فيها القضاء- رغم خصوصيته- توجد جهة ما تحمى مصالح أعضائها المهنية إلا فى حال جهاز الشرطة.

ورغم أن النقابات فى مصر بها مشكلات كثيرة فإنها تظل أفضل حالاً من الأحزاب، وبعض منظمات المجتمع المدنى المثيرة للجدل والريبة، فالأولى ترعى مصالح آلاف، وأحياناً مئات الآلاف من أعضائها (مثل المحامين والتجاريين)، بما يعنى أنها تعبر عن واقع اجتماعى ومصلحى حقيقى لفئة من المجتمع وليس مجرد يافطة وشقة مثل بعض الأحزاب.

وظلت تجربة النقابات فى مجملها هى الأنضج والأكثر ديمقراطية، وربما ما كتبته زميلتنا اللامعة د. أمانى قنديل عن النقابات المهنية منذ الثمانينيات جدير بالتأمل وإعادة القراءة مرة أخرى.

صحيح أن فى مصر مشكلة كبيرة فيما يتعلق بنقابات العمال، ولم نستطع حتى الآن أن نبتكر صيغة أو حتى نفتح نقاشاً عاماً حول مستقبل الاتحاد العام لعمال مصر، وتجاوز خطاب هدمه وتفكيكه والعمل على إصلاحه، وفتح الباب أمام نوعية من النقابات المستقلة (لا تكون مجرد غرفة وصالة) للعمل القانونى والتفاعل مع جمهور حقيقى للعمال.

معضلة مصر أنها عادت بسرعة البرق لما قبل ثورة 25 يناير، وصارت التصورات الأمنية القديمة هى الحاكمة فى كل شىء من القوائم الانتخابية حتى الأحزاب مروراً بالنقابات ومعظم المبادرات الأهلية، وأصبح البعض يتصور أن النقابة هى المشكلة وليست وسيلة لحل وتقنين المشاكل، وللتغطية على التعثر السياسى هيمن خطاب البديهيات: المرحلة الدقيقة، طبيعة التحديات، وهى كلها أمور مقرة ومقدرة، ولكنها لن تحل معظم مشاكلنا.

إن بيان وزارة الداخلية مثلاً الذى صدر عقب فض اعتصام أمناء الشرطة فى الشرقية تحدث عما هو بديهى، وجاء فيه: «أعرب الأفراد عن اعتزازهم بانتمائهم لهيئة الشرطة وتقديرهم لتضحيات زملائهم وإدراكهم للظروف الراهنة التى تمر بها البلاد، مؤكدين حرصهم على مصلحة الوطن الذى يواجه تحديات تتطلب من الجميع الاصطفاف خلف قيادة الوزارة وتنحية أى مطالب شخصية أو مصالح خاصة جانباً فى المرحلة الحالية».

قد يكون من أخطر ما تواجهه مصر الآن عجزها عن بناء نظام سياسى يمتلك أدوات حديثة لإدارة الشأن العام، وصراعات المصالح والطبقات والقوى الاجتماعية، فمازلنا أسرى خطاب الأصابع الخفية التى تعبث بالأمن القومى والتهديدات التى يمر بها الوطن، وهى كلها أمور فى معظمها صحيح وحقيقى، ولكننا لن نستطيع مواجهة هذه التحديات إلا بنظام سياسى كفء، ودولة قانون قادرة على التفاوض مع الأطراف المدنية المختلفة بشكل سلمى وتوافقى، حتى تستطيع أن تبنى جبهة داخلية قوية قادرة على مواجهة التحديات.

ولعل ما جرى مع إضراب أمناء الشرطة فى الشرقية يدل على أن الحكومة نجحت بامتياز فى ترحيل المشكلة وليس حلها، مع أن السؤال الأول الذى يجب أن يُطرح فى هذه الحالة: مَن الجهة المنوط بها عرض مشكلات رجال الشرطة ضباطاً وأمناء وأفراداً؟ هل هناك ما يمنع من أن تكون هناك نقابة للشرطة فى مصر كما جرى فى تونس بعد ثورتها؟

إن جهاز الشرطة كما هو معروف هيئة مدنية، وإذا كانت هناك موانع حالية لتشكيل مثل هذه النقابة فهل يمكن لأندية الضباط مثلاً أن تقوم بهذا الدور فى صورة قد تتشابه مع نادى القضاة؟ وهل يجب أن تكون هناك صيغة مشابهة بالنسبة للأمناء والأفراد العاملين فى وزارة الداخلية تتجاوز تجربة الائتلافات السلبية؟

فى حال تأجيل موضوع «نقابة الشرطة»، بسبب «المرحلة الدقيقة» كما يقال يومياً، فإن السؤال المطروح: مَن الجهة أو المسار التفاوضى الشرعى الذى يجب على أى هيئة مدنية أن تدخل فيه فى حال وجود خلاف أو مطالب لأعضائها؟ لأنه فى كل الهيئات المدنية بما فيها القضاء- رغم خصوصيته- توجد جهة ما تحمى مصالح أعضائها المهنية إلا فى حال جهاز الشرطة.

ورغم أن النقابات فى مصر بها مشكلات كثيرة فإنها تظل أفضل حالاً من الأحزاب، وبعض منظمات المجتمع المدنى المثيرة للجدل والريبة، فالأولى ترعى مصالح آلاف، وأحياناً مئات الآلاف من أعضائها (مثل المحامين والتجاريين)، بما يعنى أنها تعبر عن واقع اجتماعى ومصلحى حقيقى لفئة من المجتمع وليس مجرد يافطة وشقة مثل بعض الأحزاب.

وظلت تجربة النقابات فى مجملها هى الأنضج والأكثر ديمقراطية، وربما ما كتبته زميلتنا اللامعة د. أمانى قنديل عن النقابات المهنية منذ الثمانينيات جدير بالتأمل وإعادة القراءة مرة أخرى.

صحيح أن فى مصر مشكلة كبيرة فيما يتعلق بنقابات العمال، ولم نستطع حتى الآن أن نبتكر صيغة أو حتى نفتح نقاشاً عاماً حول مستقبل الاتحاد العام لعمال مصر، وتجاوز خطاب هدمه وتفكيكه والعمل على إصلاحه، وفتح الباب أمام نوعية من النقابات المستقلة (لا تكون مجرد غرفة وصالة) للعمل القانونى والتفاعل مع جمهور حقيقى للعمال.

معضلة مصر أنها عادت بسرعة البرق لما قبل ثورة 25 يناير، وصارت التصورات الأمنية القديمة هى الحاكمة فى كل شىء من القوائم الانتخابية حتى الأحزاب مروراً بالنقابات ومعظم المبادرات الأهلية، وأصبح البعض يتصور أن النقابة هى المشكلة وليست وسيلة لحل وتقنين المشاكل، وللتغطية على التعثر السياسى هيمن خطاب البديهيات: المرحلة الدقيقة، طبيعة التحديات، وهى كلها أمور مقرة ومقدرة، ولكنها لن تحل معظم مشاكلنا.

إن بيان وزارة الداخلية مثلاً الذى صدر عقب فض اعتصام أمناء الشرطة فى الشرقية تحدث عما هو بديهى، وجاء فيه: «أعرب الأفراد عن اعتزازهم بانتمائهم لهيئة الشرطة وتقديرهم لتضحيات زملائهم وإدراكهم للظروف الراهنة التى تمر بها البلاد، مؤكدين حرصهم على مصلحة الوطن الذى يواجه تحديات تتطلب من الجميع الاصطفاف خلف قيادة الوزارة وتنحية أى مطالب شخصية أو مصالح خاصة جانباً فى المرحلة الحالية».

والحقيقة أن الواقع العملى وليس الشعارات يقول إن المطالب «الشخصية» أو الفئوية هى سلوك إنسانى فى كل المجتمعات، ويجب أن يخضع للتفاوض الذى يؤدى أحياناً إلى الرفض والصدام، وأحياناً أخرى إلى القبول والتوافق، ولا يمكن لأى نظام سياسى، مهما كانت صعوبة التحديات المحيطة به، أن يمنع بعض أفراده من التقدم بمطالب فئوية، صحيح أن من حقه أن يرفضها، ولكن بعد خلق مسار يضمن عرضها بشكل قانونى وسلمى ومناقشتها باعتبارها مسألة مشروعة.

وضع جهاز الشرطة يقيناً حرج، فهو مستهدف بذاته من عصابات الإرهاب، وهو يدفع ثمناً غالياً للدفاع عن أمن الوطن والمواطن، وبالتالى تمايز كل أفراده مادياً ووظيفياً أمر مقبول مجتمعياً، ولذا لم أفهم هذا الحديث عن رواتب أمناء الشرطة، والذى فرض على الإعلام طوال الأسبوع الماضى وكأنه اكتشاف هبط علينا فجأة من «السماء».

والحقيقة أن هذا الأمر يمكن مناقشته بالنسبة لجميع الفئات المستثناة، لأنه يأتى فى إطار ما توافق عليه المجتمع منذ عقود وتقبله الناس بصدر رحب حين كنا نقول إن هناك رواتب فئات أربعة خارج الكادر الوظيفى الحكومى التقليدى منذ عهد عبدالناصر وهى: الجيش والشرطة والقضاء وأساتذة الجامعات، فما معنى أن نكتشف الآن أن رواتب الأمناء مرتفعة بعد وقفتهم الاحتجاجية؟

الحقيقة أن الحديث عن إصلاح جهاز الشرطة لا يكون فقط بانتقاد ممارسات وانتهاكات تحدث، إنما فى البحث الجراحى الدقيق لظروف عملها ومشكلاتها المهنية، وأيضاً العمل على إيجاد «صيغة ما» لتنظيم العلاقة المهنية بين رجال الشرطة والدولة، فقد تكون نقابة كما فى تجارب كثيرة حولنا، أو تطويراً للنوادى الحالية، أو صيغة ثالثة تُبتكر، أما الاكتفاء بحديث المرحلة الدقيقة فهو أمر سيُسكِّن مشاكلنا ولن يحلها.

 

arabstoday

GMT 19:26 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

مواعيد إغلاق المقاهى.. بلا تطبيق

GMT 19:24 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

المطلوب

GMT 19:24 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

البابا فرنسيس والسلام مع الإسلام

GMT 19:23 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

الإحساس في كلام عبّاس

GMT 19:23 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

خيار الفاتيكان القادم: الكرازة أم التعاليم؟

GMT 19:21 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

السوداني والإخوة الحائرون

GMT 19:21 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

... والجامعيون أيضاً أيها الرئيس!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نقابة الشرطة نقابة الشرطة



نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 17:37 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

أقصر الطرق إلى الانتحار الجماعي!

GMT 04:47 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الجمعة 25 إبريل / نيسان 2025

GMT 17:02 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

صعود طفيف لأسعار النفط بعد انخفاض 2%

GMT 10:33 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

GMT 17:34 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بقايا «حزب الله» والانفصام السياسي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab