وبقيت المشكلة

وبقيت المشكلة

وبقيت المشكلة

 العرب اليوم -

وبقيت المشكلة

عمرو الشوبكي

أحسنت القيادة السياسية حين أقالت وزير العدل الحالى واتخذت القرار الصائب وطالبته بتقديم استقالته وخرج الرجل وهو يقول مرة أخرى على سبيل الكبر: «ابن الزبال عمره ما يبقى قاضى» فى تحد لقطاع واسع من الرأى العام.

والحقيقة أن تصريحات وزير العدل السابق كاشفة وليست ناشئة لواقع، لأن ما فعله هو إعلان الواقع، ولكن الجديد- وهو أمر شديد الإيجابية- أنه بهذه الاستقالة وضع خطا فاصلا بين ما يمكن أن يقوله نادى القضاة فى تصريحات مشابهة، وبين ما يجب أن يقوله وزير فى منصب رسمى داخل الحكومة المصرية.

والحقيقة أن هناك مؤسسات كثيرة فى مصر- وليس فقط القضاء- تعتمد على ما يسمى «كشف الهيئة»، الذى يبحث فى الأصول الطبقية والاجتماعية للمتقدم، وعادة لا يقبل أبناء مهن شريفة كثيرة من الطبقات العاملة مثل عمال النظافة وغيرهم، ويضع «المؤهل العالى»- (الذى يعرف الجميع حاله فى مصر الآن)- والواسطة شروطا أساسية لقبول المرشح.

والحقيقة أن هناك تيارا غالبا داخل هذه المؤسسات، خاصة القضاء، مقتنعاً بأنه لابد أن يكون المتقدم لشغل وظيفة وكيل النيابة «لائقا اجتماعيا»، كما يقال، ومن مستوى طبقى معين، ويفضل أن يكون من أسرة قضائية، حتى تعزز فرصه فى الالتحاق بسلك القضاء.

وهو ما ينطبق على مهن أخرى كثيرة اعتمدت بدرجات مختلفة على معيار الخلفية الاجتماعية والطبقية للمتقدم كشرط للقبول فيها، بصرف النظر فى أحيان كثيرة عن كفاءته وتقديراته العلمية.

والحقيقة أن هناك تيارا محافظا كبيرا فى مصر- (تراجع جزئيا بعد ثورة يناير)- موجودا فى شرائح عليا من الطبقتين الوسطى والعليا، يردد بفجاجة أن التعليم انهار بسبب دخول أبناء الطبقات الدنيا إلى الجامعات، وأن الفساد انتشر بسبب أنه سمح «لغير ولاد الناس» بالعمل فى وظائف عليا، وهو خطاب كارثى عرفته بلاد كثيرة فى القرون الوسطى وعصور الظلام، وكل البلاد التى تقدمت وصنعت تقدما حقيقيا اقتصاديا وسياسيا اعتمدت معيارا واحدا فقط هو الكفاءة والمهنية والالتزام بالقواعد القانونية.

والحقيقة أن مصر مازالت مجتمعا طبقيا بامتياز، وفيه فروقات اجتماعية صادمة للكثيرين، ومفردات التمييز فى لغتنا اليومية فيها من كلمات التفخيم والتبجيل ما من الصعب أن تجده فى مكان آخر (البيه، الباشا، الباشا الكبير، وسعادة الريس وجنابك وحضرتك وسيادتك ومعاليك)، وفى مصر تصدمك الفروقات الطبقية والثقافية والفروقات بين الحضر والريف والاستعلاء الطبقى والاجتماعى والتفاخر بالمظاهر الخارجية، وهى كلها أمراض مجتمعات فشلت فى بناء منظومة حديثة تعتبر الكفاءة والمهنية هى الشرط الوحيد لتقدمها، ولم تتجاوز عوائق كثيرة تتعلق بالنسب والأصول الاجتماعية، وأحيانا الثراء المادى، ونسيت أن المعيار الأساسى كفاءة الشخص المتقدم.

وقد يقول البعض إن تقدم شخص لوظيفة حساسة يستلزم حداً أدنى من التماسك النفسى والسلوكى، وهو أمر صحيح، خاصة فى وظيفة القضاء، ولكن لا يوجد من يقول إن ابن العامل- لأنه ابن عامل- سيكون مأزوما نفسيا وسلوكيا، وابن البيه لن يكون كذلك، لأنه ابن «بيه»، فهى كلها معايير إذا وضعت يجب أن تطبق على الجميع ولا يستثنى منها أحد.

تصريحات الوزير المقال كشفت ما فى مجتمعنا من عيوب، والموضوع أكبر من مجرد زلة لسان، إنما هو واقع مجتمعى حان الوقت لتغييره تدريجيا بوضع معايير الكفاءة والنزاهة والسواء النفسى كشروط تطبق على الجميع بلا استثناء، واعتبار أن أحد معوقات تقدمنا هو الحواجز الاجتماعية والمحسوبية والواسطة التى تقتل الكفاءات فى مصر.

arabstoday

GMT 03:23 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الذكاء بلا مشاعر

GMT 03:20 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

جديد المنطقة... طي صفحة إضعاف السنّة في سورية ولبنان

GMT 03:16 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

دعوكم من التشويش

GMT 03:13 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

سوريّا ولبنان: طور خارجي معبّد وطور داخلي معاق

GMT 03:10 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الترمبية انطلقت وستظلُّ زمناً... فتصالحوا

GMT 03:07 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الثنائي الشيعي في لبنان... ما له وما عليه!

GMT 03:03 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

زوبعة بين ليبيا وإيطاليا والمحكمة الدولية

GMT 03:01 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

ترمب وقناة بنما

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وبقيت المشكلة وبقيت المشكلة



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - الدانتيل بين الأصالة والحداثة وكيفية تنسيقه في إطلالاتك

GMT 15:16 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

"يوتيوب" يطلق أدوات جديدة لتحسين الجودة
 العرب اليوم - "يوتيوب" يطلق أدوات جديدة لتحسين الجودة

GMT 03:07 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الثنائي الشيعي في لبنان... ما له وما عليه!

GMT 05:59 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر لتشخيص أمراض الرئة بدقة عالية

GMT 03:23 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الذكاء بلا مشاعر

GMT 10:55 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

حكومة غزة تحذر المواطنين من الاقتراب من محور نتساريم

GMT 16:09 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

أصالة تكشف تفاصيل ألبومها الجديد باللهجة المصرية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab