مكرم محمد أحمد
رغم الرسائل العديدة المستترة التى يحملها إلى العالم العربى، حصول أربع مؤسسات تونسية تتبع المجتمع المدني، هى اتحاد الشغل، واتحاد الصناعات، ونقابة المحامين، وجمعية الحفاظ على حقوق الإنسان على جائزة نوبل، لأنها أنقذت بلادها من احتمالات صراع داخلى واسع كان يمكن أن يقود الى حرب أهلية تحت شعارات ربيع عربى كاذب!، يظل الحوار الوطنى بالفعل هو الوسيلة المثلى لعبور كثير من أزماتنا الصعبة، لكن ما من شك أنه لولا ذكاء راشد الغنوشى رئيس حزب النهضة التونسى (المقابل لجماعة الاخوان المسلمين) وسياساته العملية وانفتاحه وحسن تقديره للأمور، لما نجحت تجربة الحوار الوطنى فى تونس لتصبح خيارا أولا يمكن اللجوء إليه! صحيح أن تونس لم تفلت تماما من براثن العنف والإرهاب الذى يأتى مع جماعات متطرفة، تجد تحت عباءة جماعة الإخوان المسلمين مهربا وملاذا آمنا، لكن تبقى للحوار الوطنى أولويته المطلقة قبل أى خيارات أخرى تلجأ إلى الاستبعاد والإقصاء.. وهذا ما حاوله كثيرا فى مصر وزير الدفاع عبدالفتاح السيسى، لكن مكتب إرشاد الجماعة وعلى رأسه بديع، الذى ينتمى بأكمله إلى التيار القطبى، أخذته العزة بالإثم، ورفض كل الحلول الوسط بما فى ذلك الذهاب إلى انتخابات مبكرة يشارك فيها محمد مرسى، وأخذ الأزمة الى طريق المواجهة! وإذا كانت المنظمات الأهلية التونسية الأربع قد نجحت فى تجنيب تونس مغبة صراع أهلى كان يمكن أن يتطور الى حرب داخلية، فالأمر المؤكد أن مثيلات هذه المؤسسات فى بقاع كثيرة من عالمنا العربى يمكن أن تؤدى أدوارا فائقة الأهمية والخطورة، توفر على البلاد مصاعب ضخمة وتمكنها من اختيار طريق الوفاق الوطنى، شريطة أن تؤمن كل الأطراف بجدوى الحوار الوطنى، وتحدد إطاره فى قواعد واضحة تحترم القانون وتلتزم حقوق الإنسان، وتحتكم إلى آليات الديمقراطية، وتقبل بمرجعية الاحتكام إلى العقل والالتزام بمصالح العباد فى تفسير غموض النص الديني، وتلتزم بقواعد المائدة المستديرة، تساوى بين جميع الأطراف، سواء كانت من الحكم أو المعارضة أو من الأغلبية أو الأقلية. وأكثر ما يتهدد الحوار الوطنى فى عالمنا العربى أن معظم الحكومات تلجأ اليه فقط عند الحاجة، ليس من أجل تحقيق توافق وطنى حول الحلول المتاحة لمواجهة مشكلات بعينها، ولكن بقصد كسب المزيد من الوقت، واستيعاب غضب الشارع، أو تمزيق قوى المعارضة من داخلها، أو توجيه رسالة إعلامية إلى الخارج أو الداخل، لكن الحكومات العربية غالبا ما تنقلب على نتائج هذا الحوار، وترفض تنفيذ مطالبه إن استشعرت أنها استنفدت أهدافها الآنية، وأصبحت فى موقف يمكنها من إملاء شروطها على الجميع، لكنها لا تدرى مع الأسف أنها تضرب فى الوقت نفسه مصداقيتها فى مقتل!