تثور بين الحين والآخر دعاوى المصالحة مع جماعة الإخوان من بعض جماعات النُخبة العربية من المثقفين والسياسيين يُطالبون بالمصالحة مع جماعة الإخوان بدعوى حقن دماء المسلمين لان دماء المسلم حرام على أخيه المسلم أو بدعوى أن الصراع طال أكثر مما ينبغى دون أن يتمكن أى طرف من حسمه عسكرياً وأنه لا بديل فى النهاية عن الجلوس للتفاوض، وبالطبع فإن المقصود بالمصالحة هنا هو المصالحة بين تنظيم جماعة الإخوان فى مصر ونظام الحُكم الراهن الذى يعتبر الإخوان منذ اعتصام رابعة جماعة إرهابية ارتكبت العديد من جرائم العنف ضد نظام الحُكم فى مصر, وضد العديد من فئات المجتمع المصري، وأسهمت فى تشكيل جماعات مسلحة قتلت ودمرت وعاثت فى مصر فساداً, وهى التى زرعت الإرهاب فى سيناء وكانت أول من شجعت جماعاته, ولا يزال المصريون يذكرون نداء عضو الجماعة «محمد البلتاجى» وهو يؤكد أن كل صور العنف والعمليات العسكرية فى سيناء سوف تتوقف تماماً إن تم الإفراج عن الرئيس «محمد مرسى» ولا يزال اصداء نداء «محمد مرسى» باقيا فى الاذان, يطلب من قوات أمنه فى سيناء الحفاظ على حياة الخاطفين والمخطوفين, وثمة قوائم معروفة ومؤكدة بأسماء الذين أفرج عنهم «محمد مرسى» من السجون والمعتقلات, وانضموا إلى الجماعات المسلحة فى سيناء، وثمة دلائل وقرائن وأدلة ثابتة على طبيعة العلاقات العضوية التى تربط بين جماعة الإخوان وتنظيمات الإرهاب فى سيناء بحيث بات مؤكداً أن جماعة الإخوان هى التى زرعت الإرهاب فى سيناء وهى التى وطدت العلاقات بين حماس وجماعاته فى سيناء وعززت تعاونهما المشترك، ومكنت هذه الجماعات من تكتيكها الأساسى الذى يقوم على الضرب فى سيناء ثم الهرب السريع عبر الأنفاق إلى قطاع غزة! وبالطبع كانت قطر هى الممول الرئيسى لهذه العمليات، كما كانت الممول الرئيسى لجماعات الإرهاب فى ليبيا خصوصاً مدينة درنة على مسافة 80 كيلو متراً من الحدود المصرية، بهدف أن تطعن قطر الأمن المصرى فى خاصرتيه الشرقية لقطاع غزة والغربية ليبيا.
وفى الأغلب فإن الذين يدعون إلى المصالحة بين الحكم فى مصر وجماعة الإخوان ينتمون إلى بعض قوى الخارج بأكثر من أن يمثلوا تياراً داخلياً، هدفهم هو اختيار حجم صمود الجبهة المصرية ومدى صلابة مواقفها ضد هذه الدعوات التى تثار دون مسوغات واقعية، تجعل المصالحة أمرا مطلوباً أو مستساغاً، لأن جماعة الإخوان تعانى الفشل الذريع والانحسار المتواصل بما يجعلها على شفا هزيمة قاسية، ولأن كل فئات المجتمع المصرى أدركت منذ زمن أن هذه الجماعة هى الأب الشرعى للإرهاب، من تحت معطفها خرجت كل جماعاته، بل لعلها تشكل الطريق الأساسى والمنبع الأصيل الذى يقود صاحبه إلى الإرهاب، كما ذكر تحقيق النخبة البريطانية الذى أكد أن الجماعة هى الباب الرئيسى والمدخل لكل جماعات الإرهاب، وفضلاً عن ذلك فإن فكر الجماعة التكفيرى الذى تبنته الإخوان منذ أن اعتبرت «سيد قطب» فيلسوفها ومفكرها الأكبر زاد من عزلتها خاصة انها اتهمت المصريين بالجهالة, و دعت الى اعتزالهم لانهم مجتمع كافر!, بما كشف خواء ادعاءاتها الكاذبة بأنها جماعة معتدلة تنبذ العنف وتحسن التفاهم مع الغرب، وتعترف بالآخر، وربما تكون خياراتها هى الخيارات الأكثر واقعية وسلامة لمجتمعات الشرق الأوسط، كما كانت ترى ادارة الرئيس الامريكى اوباما, وما نعرفه صدقاً عن جماعة الإخوان فضلاً عن فكرها التكفيرى المنحرف وإنكارها الشديد حدود الدولة الوطنية ومقدساتها أنها الجماعة السياسية الوحيدة فى الشرق الاوسط التى قبلت بتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأرض المصرية، وأن تواطئها مع الإدارة الأمريكية السابقة على توسيع قطاع غزة على حساب الأرض المصرية كان حجر الزاوية فى المشروع الأمريكي، يشهد بذلك الرئيس الفلسطينى «محمود عباس» الذى فاتحه الأمريكيون بقبول هذا العرض، كما تشهد مذكرات السياسيين الأمريكيين وفى مقدمتهم «هيلارى كلينتون» وربما لهذا السبب جاءت أحداث الربيع العربي، وجاءت أفكار وزيرة الخارجية الأمريكية «كونداليزا رايس» عن الفوضى البناءة، وجاء رفض الأمريكيين الواضح والصريح ثورة 30 يونيو التى قطعت الطريق على هذا المخطط المتآمر.
وما يدهش فى دعاوى المصالحة التى تأتى فى غير أوان، أنها تتجدد فى ظروف ينحسر فيها تأثير جماعة الإخوان بعد أن كشفها الشعب المصرى على امتداد 80 عاماً، تجند الشباب المصرى وهو لم يزل صغيراً لم يبلغ سن الحلم، وتزرع داخله أفكارها المتطرفة وتدربه على استخدام العنف، وتربيه على رفض الدولة الوطنية، وعلى أن أخوة الدين تسبق أخوة الوطن، وتعلمه منذ البداية أن يكون له وجه باطن سرى يدعو إلى العنف والقتل والإرهاب, ووجه علانى يدعو إلى التقية، يخفى مقاصده الحقيقية خلف تنظيم سرى حديدى هو(قدس الأقداس) الذى يعلو الجميع, ويصدر أوامره النافذة بالقتل والتآمر، كما ينحسر نفوذها على مستوى العالمين العربى والإسلامى بعد أن اكتشفت السعودية التى مدت لها كل يد العون وساعدتها على نمو ثروتها ونفوذها إبان فترة «عبدالناصر» لكن جماعة الإخوان عضت اليد التى ساعدتها, ووقفت إلى جوار «صدام حسين» فى غزوه الكويت لأنها تصورت خطأ أن «صدام حسين» يحظى بتأييد الأمريكيين, ثم جاءت خيانتها لدولة الإمارات وهى تبنى تنظيمها السرى داخل الدولة رغم تظاهرهم بحسن الاعلاقات معها دولة رغم تظهارهم بحسن العلاقات معها دولة رغم تظهارهم بحسن الاعلاقات معها دلالة أكيدة على أنها منظمة إرهابية هدفها الأول القفز على السلطة متى نضجت الظروف للقيام بهذه المهمة، ويصبح السؤال المهم هنا ما الذى يدعو النظام المصرى إلى التصالح مع جماعة الإخوان التى ينحسر نفوذها ويزوى فكرها إن لم تكن المصالحة ضرورة شعبية تحظى بتأييد واسع من المجتمع!؟، وما هى ضرورات هذه المصالحة إن كان فكر الجماعة يزوى وينحسر ويتلاشى تأثيره على بناء المستقبل خاصة بعد أن ضبطت الجماعة متلبسة بارتكاب أفظع الجرائم وأشدها بشاعة ؟!وكيف يستجيب الحكم لدعاوى لم تصدر اى اشارات علنية على أنها تأتى من داخل الجماعة او تحت إلحاحها؟!
ولا أظن أن جماعة الإخوان تركت أى فرصة لإمكان وقوع المصالحة بعد أن عادت الجيش الوطنى وجردته من كل الفصائل، وهو الذى يبذل هذا القدر الضخم من التضحيات حفاظاً على وطنه، لقد بات واضحاً أن هدف الجماعة الأول هو تدمير الجيش المصرى لأنها تعتقد فى قرارة نفسها أن الجيش الوطنى هو الذى يمنع وصولها إلى السلطة, ويشكل عائقاً أساسياً لابد من إزالته، ويساند الجيش الوطنى الأمن والشرطة والقضاء والصحافة والإعلام وجميع مؤسسات الدولة المصرية، بما يجعل عودة الإخوان إلى الحكم حلماً مستحيلاً يتطلب القضاء على الجيش ومؤسسات الدولة المصرية والمجتمع المدني, لا يمكن بلوغه دون حرب أهلية لا تبقى ولا تذر، وأظن أن حكم الجماعة الذى لم يستطع أن يستمر أكثر من عام رغم سيطرتهم على كل مفاصل الدولة يؤكد أن الجماعة لم يعد فى مقدورها التشبث بهذا الحلم المستحيل، فإذا أضفنا إلى ذلك أن موازين القوى لم تعد فى صالح الجماعة, وأن دور قطر ممول الإرهاب الأول فى الشرق الأوسط يضعف ويجف ويكاد ينحسر، نحس ضعف آثاره المتزايدة فى ليبيا وسوريا والعراق وقطاع غزة، فضلاً عما يحيق بإيران من ضغوط شديدة تلزمها الانسحاب من سوريا, وتكريس جهدها الأكبر للدفاع عن أمنها الذى تهدده سياسات الرئيس ترامب الجديدة، التى تلزم إيران العد الصحيح لحساب كل خطوة تخطوها فى الشرق الأوسط كى لا تقع تحت طائلة عقاب ضخم يتربص بها، ذاقت خطورته فى القصف الشامل لكل بنيتها العسكرية الأساسية فى سوريا خصوصاً قواعدها الجوية ومعسكراتها التى تضم أيضاً قوات الحرس الثورى الإيرانى بقيادة «قاسم السليمانى».
لقد أُتيح لإيران أكثر من فرصة كى تصحح علاقاتها مع العالم العربي، وكان الجميع يرغب فى فرصة تفاهم وحوار تمكن السُنة والشيعة من تعزيز علاقاتهما لصالح وحدة الفكر والموقف الإسلامي، لكن طهران تتشبث بالنزعة الفارسية للسيطرة العنصرية على جيرانها العرب، والاستيلاء على أراضيهم، كما تشبثت بمبدأ تصدير الثورة، وجعلت كل همها إضعاف جيرانها العرب، واستخدام الأقليات الشيعية فى هذه الدول لتهديد أمنها الداخلي، استثمرت حزب الله اللبنانى على أسوأ صورة ودفعته للتدخل فى الشأن الداخلى لعدد من الدول العربية بينها العراق وسوريا ولبنان ومصر ومكنته من ان يصبح صاحب قرار الحرب فى الشرق الاوسط بصرف النظر عن حكوماته، وجعلت من الحوثيين موطئ قدم لها فى اليمن، وسلحتهم بالصواريخ يقصفون بها الرياض وجدة ومكة، عاثت إيران فساداً فى العالم العربى تسعى لتخريب أمنه وتصدير ثورتها إليه، وتوسعت أطماعها الإقليمية لتصبح قوة تهديد لجيرانها, وتعاظم دورها فى سوريا لتصبح المهيمنة على القرار والمستقبل السوري, ويتحول الشعب السورى بأكمله إلى رهينة تتحكم فى مصيره وأقداره، ومع الأسف أعطت إيران للولايات المتحدة وإسرائيل كل المسوغات التى تبرر قصف كل مواقعها فى سوريا، وإلزامها الانسحاب الفورى من هناك والتوقف عن دعم جميع الميليشيات العسكرية وفى مقدمتها حزب الله الذى لم يعد حزباً وطنياً لبنانياً وإنما أضحى قوة إقليمية تقرر شئون الحرب والسلام فى الشرق الأوسط,, ولا أظن أن إيران تملك بديلاً آخر سوى الرضوخ والانسحاب من سوريا بعد أن أكدت روسيا بوضوح قاطع أن على مختلف القوى الأجنبية فى سوريا عدا روسيا أن تنسحب من الأراضى السورية فى إطار تفاهم أمريكى إسرائيلي!، ولا يجد الإنسان على لسانه ما يعبر به عن أسفه للموقف الإيرانى, سوى المثل العربى القديم (على نفسها جنت براقش) وقد ارتكبت براقش الفارسية الكثير من الأخطاء فى حق جيرانها العرب وفى حق أشقائها المسلمين وأظن أنها تستحق بالفعل ما تعانيه من ضغوط مذلة ومهينة!.
والغريب فى أمر من يطلبون المصالحة مع جماعة الإخوان، أنهم لا يسألون أنفسهم إن كانت الجماعة قد راجعت بالفعل مواقفها وأفكارها ورؤاها كما تفعل كل الجماعات السياسية عقب الأحداث الجسام التى مرت بها لتتعرف على أخطائها وعلى أسباب الإخفاق، لكن الجماعة لم تفعل شيئاً من ذلك باستثناء محاولات جد محدودة قام بها نائب المرشد العام «محمد حبيب» لا تلقى اعتراف الجماعة التى تعتبر محاولات «محمد حميد» خروجاً على تقاليد الجماعة وطعناً غير مقبول على شرعيتها تشكك فى أهدافه ومراميه، لم تجد جماعة الإخوان فى أحداث رابعة وما تلاها من يستحق النقد أو المراجعة ولم تجد فى فترة حكمها للدولة المصرية ما يستحق أن يكون درساً مستفاداً يصحح نهجها وأخطاءها، بل لم تجد فى فكر سيد قطب او حسن البنا ما يدعو الى المراجعة, كتمت الجماعة كما تفعل عادة ردود أفعالها ورفضت مراجعة مسيرتها تحت دعاوى الحفاظ على تنظيم الجماعة (قدس الأقداس) الذى يتحتم عدم المساس به، وبرغم الشروخ العديدة فى بنية الجماعة التنظيمية، آثرت قيادات الجماعة فرض الصمت على الجميع بدعوى أن المراجعة يمكن أن تؤدى إلى تصدع التنظيم وتفكيكه
ويغلق المرشد العام ومجلس إرشاد الجماعة وعصبة المتشددين داخلها كل أبواب المراجعة خوفاً من أن تؤدى المراجعة إلى انشقاق الجماعة وتفككها خصوصاً أن تياراً مهما ينمو داخل الجماعة ,يدعو الآن إلى أن تقتصر مهمة الجماعة وواجباتها على الدعوة الإسلامية دون الاشتغال بالعمل السياسى وهى دعوة يرفضها خصوم الجماعة من المتشددين الذين يرون أن الإسلام دين ودولة يستحيل فيه الفصل بين السياسة والدين!.
وتكشف عملية المراجعة التى قامت بها الجماعة الإسلامية فى سجن العقرب، وحرض عليها قادة الجماعة خاصة «كرم زهدى» و«ناجح إبراهيم» والتى أسفرت عن عدد مهم من الرسائل والكتب راجعت فيها الجماعة الإسلامية ليس فقط أفكارها واجتهاداتها النظرية، وإنما كل أفعالها وجرائمها, بما فى ذلك دعاوى الحسبة، وقتل السياح الأجانب واغتيال الرئيس السادات، وسرقة محال الذهب، والهجوم على كنائس الأقباط, تكشف هذه المراجعات عمق الخطأ الذى ارتكبته الجماعة الإسلامية بفهمها المبتسر لمعنى الدين كما تكشف أهمية المراجعة فى نقد فكر الجماعة وأخطائه والتخلص من خطاياه، وأظن أنه بسبب هذه المراجعات نجح 95 فى المائة من أعضاء الجماعات الإسلامية فى الخلاص من هذا الفكر المتطرف، وتمكنوا من الاندماج فى حياة المجتمع دون أن يفكروا فى العودة مرة أخرى إلى أفكار الإرهاب باستثناء نسبة لم تتجاوز خمسة فى المائة ساعد عليها جماعة الإخوان المسلمين عندما كانت فى السلطة وأغرت «عاصم عبدالماجد» عضو الجماعة الإسلامية على أن يعود لأفكاره القديمة.
ولهذه الأسباب ترفض جماعة الإخوان المسلمين مراجعة أفكارها ورؤاها، لأن المراجعة سوف تؤدى إلى المزيد من الشروخ فى بنيان الجماعة الآيل للسقوط، وهذا ما يريده شيوخ الجماعة المسئولون عن كل أخطائها، ويتهربون من المسئولية تحت دعاوى التشدد والحرص على التنظيم, بينما هدفهم الأول الإفلات من مسئولية الحساب لأنه لولا جمود فكر شيوخ الجماعة لما ظل «سيد قطب» بفكره التكفيرى البطل الأول لجماعة الاخوان.
المصدر : جريدة الاهرام
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع