بقلم - مكرم محمد أحمد
لا يبدو أن ثورة الغضب على الحوزة الحاكمة, محافظين وإصلاحيين, فى إيران سوف تهدأ سريعاً بعد أن اشتعلت المظاهرات على نطاق واسع، وعمت الكثير من المدن الإيرانية طهران وشيراز ومشهد وكرمنشاه وتصاعد الصدام بين الأمن والباسيج وقوات الحرس الثورى والمحتجين، وبلغت جملة الضحايا خلال الأيام الستة أكثر من 21 قتيلاً، دون ظهور بادرة على إمكان عودة الهدوء سريعاً، ودون علامات واضحة تؤكد أن الشارع الإيرانى يمكن أن يهزم شبكات الأمن والحرس الثورى الذى يسيطر عميقاً على الاقتصاد والسلطة، لكن ما يبدو واضحاً حتى الآن أن مؤسسة الحكم فاجأها سرعة انتشار المظاهرات وقوتها، وأن الغضب يعم الطبقة الوسطى الواسعة فى إيران ويشمل شرائحها المهنية والفنية المتعلمة، كما يشمل الطبقة العاملة بعد أن احتكر الثروة الطبقة الحاكمة من آيات الله وحلفاؤهم كبار البازار والسوق . ويزيد من صعوبة الأزمة أن معظم الشباب الإيرانى بات ممزقاً بسبب عجز قوى الإصلاحيين المتزايد عن دفع خطط الإصلاح قدماً وزيادة حجم الحريات الاجتماعية وتحقيق المزيد من الانفتاح والتضييق على المرأة، وربما كان أبرز الملاحظات أن المتظاهرين لم يرفعوا هذه المرة شعارات تطالب بالإفراج عن قادة الإصلاحيين المحتجزين فى منازلهم مهدى كروبى وخاتمى، فى حين يمسك المحافظون وعلى رأسهم المرشد الأعلى على خامنئى الذى وصفته التظاهرات بالديكتاتور الأكبر بكل أوراق القوة، الجيش والإعلام والمخابرات والحرس الثورى وكل مناحى المال والاقتصاد، ورغم التحسن الاقتصادى إثر توقيع الاتفاق النووى بين طهران والولايات المتحدة و6 دول أخرى والإفراج عن بعض الأرصدة الإيرانية المجمدة فى بنوك الغرب والسماح بتصدير النفط الإيرانى إلى الخارج إلا أن أحوال الناس والمعيشة تزداد سوءاً، لأن الحكم ينفق ملايين الدولارات على تصدير الثورة، وهو منشغل بالوضع فى سوريا ولبنان والحوثيين فى اليمن بأكثر من انشغاله بأوضاع شعبه .
لكن آية الله على خامنئى المرشد الأكبر يعزو أسباب الاضطرابات الأخيرة إلى أعداء إيران، الولايات المتحدة وحلفائها فى الخارج والإيرانيين فى المنفى الذين يستخدمون كل الأدوات بما فى ذلك طائل الأموال والأسلحة والسياسة والتخابر لإيجاد المزيد من المصاعب، والواضح للجميع أن أطراف الحوزة الحاكمة مختلفون على كيفية مواجهة غضب الشارع بينما المرشد الأعلى صامت ينتظر اللحظة المناسبة كى يتحدث للناس! ، والرئيس روحانى يبدى الرغبة فى التسامح مع المحتجين والحرس الثورى يضرب بيد من حديد، والسلطة القضائية المتشددة تطالب بمحاكمات ثورية سريعة .
وما يقلق قادة طهران أن الاضطرابات تنتشر فى مناطق وأقاليم محافظة لم يسبق أن شهدت أحداثاً مماثلة وأن عمليات الهجوم على مراكز الأمن والشرطة بهدف الاستيلاء على أسلحتها تزداد، ويرفع المتظاهرون مطالب متنوعة تبدأ من رفع الغلاء إلى المطالبة بالحريات وإسقاط النظام والترحم على حكم الشاه، كما يحتجون على دعم الحكم لحركات الإرهاب وتصدير الثورة .
وبالطبع لا يتوقف الرئيس الأمريكى ترامب عن إطلاق تغريداته على تويتر، تؤيد المحتجين على فساد الحكم فى طهران الذى ينفق الملايين على دعم الإرهاب وتصدير الثورة، وتتهم إدارة الرئيس السابق أوباما بالعته والغباء لأنه وقّع مع آيات الله اتفاقاً سيئاً كانت نتيجته أن ذهبت ملايين الدولارات إلى جيوب آيات الله، إلا أن أسوأ ردود الأفعال كانت بسبب خطاب الرئيس حسن روحانى الذى بث مسجلاً وزاد من وتيرة الاحتجاجات وزخمها، ودفع المتظاهرين إلى حى باستور حيث يقيم المرشد الأعلى لولا أن أغلقت قوات الأمن والحرس الثورى كل المداخل إلى بيت المرشد بما يؤكد أن ثورة الغضب لا تزال مستمرة .