بقلم: مكرم محمد أحمد
بينما تتقدم قوات الجيش السورى بثبات صوب الحدود مع الأردن وإسرائيل لتحكم قبضتها على ما تبقى من الجيب الذى تسيطر عليه المعارضة السورية فى منطقة درعا، حتى الحدود السورية مع كل من الأردن وإسرائيل، ويلتزم الجيش الإسرائيلى مُراقبة الموقف دون تدخل، فقط يمنع اللاجئين السوريين القادمين من المناطق والقرى القريبة من اللجوء داخل إسرائيل، وقد أصبح عددهم يربو على 250 ألف لاجئ، تركوا ديارهم مذعورين خوفاً من القوات السورية القادمة، كما تغلق القوات الأردنية حدودها مع سوريا لأن الأردن لم يعُد يحتمل المزيد من اللاجئين، وتجرى المفاوضات بين ممثلى القوات الروسية وما تبقى من قوات المتمردين من أجل خروج آمن من آخر قلاع المعارضة السورية فى الجنوب، وتؤكد كل الأطراف، الجيش السورى، والقوات الروسية، والإسرائيليون الذين يرقبون الموقف دون تدخل، والأردنيون الذين يحمون حدودهم والتزامها بالهُدنة الهشة التى وقعها الرئيسان الأمريكى ترامب والروسى بوتين على هامش اجتماعات قمة العشرين الأخيرة فى ألمانيا، بما يؤكد أننا نشهد بداية النهاية للحرب السورية بينما يستعد الرئيسان الأمريكى ترامب والروسى بوتين من أجل لقائهما الثانى فى هلسنكى، ينظران معاً تجربة تعاونهما المشترك فى سوريا على امتداد عام من أجل ضبط المشهد السورى!.
تلك باختصار تفاصيل المشهد السورى الأخير مع تغيير طفيف لبعض المصطلحات يلائم مقتضى الحال، المعارضة السورية المسلحة تم استبدالها بالمتمردين بعد أن أخطرتهم السفارة الأمريكية فى عمان بالعربية قبل الإنجليزية كى لا يقع أى لبس فى فهم الرسالة، أن الولايات المتحدة لن تتدخل عسكرياً فى جنوب سوريا، وأن المعارضة إذا أرادت أن تستمر فى مقاومتها ضد الروس والسوريين فهذا شأنها لا يلزم الولايات المتحدة بشىء، فى الوقت الذى أعلنت فيه روسيا أن القوات الروسية سوف تُعاون الجيش السورى على هزيمة داعش وباقى الجماعات الإرهابية فى الجنوب.
والواضح أن التعاون المشترك بين الأمريكيين والروس على ضبط المشهد السورى استمر على مدى يقرب من عام، صحيح أن خلافات وقعت بين الجانبين اللذين تبادلا الاتهامات أكثر من مرة، لكن الصورة قد اختلفت فى جنوب سوريا، وأن الصراع فى المنطقة الذى كان يشتعل بالخطر فقد حدته، وأن كل الأطراف حافظت على التزامها بوقف إطلاق النار رغم هشاشة الموقف، والواضح أن هناك توافقاً أمريكياً روسياً على دور جديد للرئيس بشار الأسد، مكنه من استعادة جميع جيوب المعارضة المسلحة، ابتداء من غوطة دمشق التى خرج منها جميع المسلحين المتمردين باتفاق تسليم وتسلُم إلى منطقة درعا التى كانت أول شرارة انطلقت ضد حكم بشار الأسد وأصبحت آخر القلاع التى سلمها المتمردون السوريون الذين يتفاوضون مع الروس الآن من أجل توقيع اتفاقية تسليم وتسلُم جديدة يخرجون بموجبها أيضاً إلى إدلب!. وطبقاً لتصريحات المتحدث باسم المتمردين السوريين إبراهيم الجباوى، فإن اللاجئين السوريين عادوا إلى التفاوض مع الروس الذين يساندون بشار الأسد من أجل عقد اتفاق تسليم وتسلُم لهذا الجيب الأخير، تُطبق قواعده على كل جميع المتمردين فى الجنوب.
لقد بدأ التفاوض الذى ربما يستمر يوماً أو أسبوعاً، لكن المتمردين عازمون على الوصول إلى هذا الاتفاق الذى سوف تسرى قواعده على مخيمات الإيواء قريباً من مدينة القنيطرة الواقعة على حدود هضبة الجولان التى تضم عشرات الآلاف من اللاجئين إلى جوار 200 ألف لاجئ فى المنطقة الملاصقة لإسرائيل ترفض إسرائيل دخولهم، وغير هؤلاء هناك ما يقرب من 60 ألفا آخرين يقفون على حدود الأردن وسط ظروف مناخية صعبة أدت إلى موت 12 طفلاً وامرأتين ورجل مُسن، لكن الجميع يأملون فى أن يتم اتفاق التسلُم والتسليم لتعود المنطقة مرة أخرى إلى أحضان الدولة السورية بعد 7 سنوات تحت سيطرة المعارضة السورية التى تحمل الآن اسماً دولياً جديداً المتمردين اصطلح عليه الجميع بدلاً من المعارضة المسلحة. وفى النهاية لا أظن أن شعباً عربياً تعرض لما يتعرض له السوريون دون ذنب أو جريمة، حيث جاوز عدد ضحاياه نصف المليون مدنى، فضلاً عن المدن والحواضر والأسواق السورية التى جرى هدمها فى وحشية بالغة تحت دوافع دينية فى الأغلب كاذبة، ولا يزالون ينتظرون اجتماع بوتين وترامب فى هلسنكى، لعل الاثنين يتمكنان من ضبط المشهد السورى إلى نهايته بينما العرب فى حالة ترقُب وانتظار.
المصدر: الأهرام
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع