بقلم : مكرم محمد أحمد
تجمع تقارير رجال الاقتصاد والبنوك والمُحللين السياسيين والاقتصاديين على أن الرئيس التركى أردوغان هو سبب كارثة بلاده، وأن خروج تركيا من أزمتها الراهنة رهن بمدى قدرتها على إنشاء نظام اقتصادى ومالى وسياسى جديد يكون فيه القرار متجردا من دوافع حاكم فرد يعتقد أن جميع مناحى الحياة فى تركيا لابد أن تمضى على النحو الذى يريده، لأنه الوحيد الذى يعرف الحل الصحيح، ورأيه بات ونهائى، لا يستطيع أحد أن يراجعه، وزاد من مشكلة أردوغان أنه اختصر كل السلطات فى قراره، أنهى منصب رئيس مجلس الوزراء وقلص سلطات البرلمان واستحوذ على سلطات المصرف المركزى الذى انتفى دوره ولم يعد قادرا على كبح جماح التضخم، لأن أردوغان عكس كل الخبراء والاقتصاديين يُصر على الإبقاء على سعر الفائدة منخفضا رغم إرتفاع معدلات التضخم، وزيادة الركود الاقتصادى وزيادة حجم وارتفاع الديون وعجز الموازنة. والواضح أن إصرار أردوغان على الإبقاء على سعر الفائدة منخفضا يعود إلى أن مصالحه ومصالح أسرته وأصهاره الذين يعملون جميعا فى قطاع التشييد والمقاولات وحققوا ثروات هائلة، تكمن فى الإبقاء على تكلفة الديون منخفضة لتزيد أرباحهم على حساب الصالح العام، وما زاد الطين بلة أن أردوغان فى فترة حكمه الأخيرة بعد أن أصبح الحاكم بأمره، سلطانا على البلاد، عين البيرق زوج ابنته الكبرى يسرا وزيرا للمالية والتجارة لينفذ سياساته التى زادت الوضع سوءا، وتتسم بالديماجوجية والشعبوية وإثارة النعرات الوطنية الضيقة، وخوض المعارك بالشعارات، كما فعل فى قضية القس الأمريكى أندرو برنسون الذى رفض الإفراج عنه رغم إلحاح الرئيس ترامب، وأبقى عليه رهن الاعتقال فى منزله بتهمة التواطؤ مع الانقلاب العسكرى الذى خرج عليه قبل أعوام قليلة، وخرج إلى العلن يصرخ على الرئيس الأمريكى: عار عليك أن تفقد حليفك الإستراتيجى لـ60 عاما من أجل قس أمريكى، دون أن يدرى أن مثل هذا الخطاب الديماجوجى قد ألهب مشاعر ناخبى ترامب فى الولايات المتحدة الذين أكبروا ترامب لأنه وقف فى وجه أردوغان الديكتاتور من أجل قس أمريكى بسيط، والواضح أيضا أن إدارة الرئيس التركى للأزمة زادت من تصعيد الموقف بعد أن دعا الأتراك إلى أن يبيعوا دولاراتهم ومصاغهم ويشتروا الليرة التركية التى خسرت 45% من قيمتها خلال عام، وزاد أردوغان على ذلك بأنه سوف يبحث عن حلفاء جدد!، والواضح أن شكوك الأمريكيين تذهب إلى أن أردوغان يمكن أن يغادر حلف الأطلنطى، ويقيم تحالفات جديدة مع روسيا والصين وإيران.
إن أردوغان يعرف أنه جزء من الأزمة وواحد من أسبابها، كما يعرف أنه لا يتمتع بأى تأييد عالمى أو إقليمى، وأن تركيا تكاد تكون بلا أنياب بل بلا أسنان، وأن الرأى العام فى الغرب وفى معظم أنحاء العالم لن يقف إلى جواره لكثرة ضحاياه من الأتراك الذين أدخلهم المعتقلات أو حرمهم من وظائفهم، وبينهم صحفيون وسياسيون وكُتاب، والرأى السائد فى معظم دول العالم أن تركيا لن تتمكن من الخروج من حفرة أردوغان إلا بمراجعة شاملة لكل سياسات أردوغان ورؤاه الاقتصادية وعودة سلطات البرلمان التركى، والسماح للبنك المركزى التركى بأن يمارس مهامه، ووجود نظام جديد للعدالة لا يفسده التدخل السياسى والإفراج عن جميع المعتقلين وخفض سعر الفائدة ورفع تكلفة الاقتراض لمجابهة التضخم. ويبدو أن الأمر يتطلب قيادة جديدة تدرك أن الاستحواذ على كل السلطات لن يحل مشكلة الليرة التركية، ولن يساعد البلاد على الخروج من مأزقها الراهن، خاصة أن أردوغان لم يقدم جديدا فى اجتماعه أمس الأول مع عدد من سفراء تركيا، لم يعط أى إشارة لعزمه الإفراج عن القس الأمريكى التى تخلص كل قضيته فى التعاطف، مجرد التعاطف مع كولين عدو أردوغان اللدود الذى رفضت الولايات المتحدة تسليمه لتركيا، ولم يطلب مساعدة صندوق النقد الدولى، مؤكدا أن الليرة التركية سوف تستعيد وضعها الطبيعى لأن أمريكا معها دولاراتها أما أردوغان فمعه الله! بينما يقول خبراء الاقتصاد ان الحل الصحيح للأزمة التركية يُكمن فى 3 خطوات أولاها رفع سعر الفائدة وثانيتها أن يستعيد البنك المركزى التركى كل سلطاته وثالثتها أن يتم الإفراج عن القس الأمريكى الذى تكاد تكون جريمته أنه تعاطف مجرد تعاطف مع كولين عدو أردوغان اللدود.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: الأهرام