بقلم : مكرم محمد أحمد
اشتعل جنوب العراق الشيعى بالثورة على الطائفية وهيمنة إيران على مقدرات الشعب العراقى، وخرجت الجماهير الثائرة فى البصرة والنجف وكربلاء وكل مدن الجنوب الشيعى تحرق وتدمر كل مقار الأحزاب الطائفية وأولها حزب الدعوة الذى ينتمى إليه حيدر العبادى رئيس الوزراء ونورى المالكى رئيس الوزراء السابق، لأن الحزب بات يمثل مصالح إيران بأكثر ما يمثل شعب العراق، ولأن الحزب عجز عن أن يوفر للناس الماء والكهرباء فى هذا القيظ الساخن، حيث تتجاوز درجة الحرارة 50 فى الظل، وزاد الطين بلة أن طهران قطعت إمدادات الكهرباء عن جنوب العراق لأن بغداد لم تسدد ما عليها من فواتير، ومع أن حكومة العراق قطعت شبكة الإنترنت كى تعيق تواصل الأخبار انتشرت الثورة وأعمال العنف فى البصرة والنجف وكربلاء وبابل والكوت والنصيرية والحمرة تهتف بسقوط الطائفية والأحزاب الشيعية!، وفى كربلاء التى يحج إليها الشيعة حاصرت الجماهير الفندق الذى كان يقيم فيه حيدر العبادى رئيس الوزراء فى أثناء تفقده المدينة ومحاولته إطفاء غضب الشارع فى الجنوب العراقى!
وزاد من سوء الوضع أن البلاد بلا حكومة أو برلمان رغم انتهاء جولة الانتخابات، لأن القضاء أصدر حكماً بإعادة عد الأصوات فى عدد من الدوائر الانتخابية لشبهات تزوير يجرى التحقيق فى وقائعها، ولم تسلم أى من أحزاب الشيعة من غضب الجماهير التى تعتقد أن هذه الأحزاب تمثل مصالح إيران بأكثر من أن تمثل شعب العراق، ولهذا السبب أشعل المتظاهرون النار فى معظم مقار الأحزاب ما عدا جماعة الصدر، حيث وقف الزعيم مقتدى الصدر الذى كسب أغلبية مقاعد البرلمان فى الانتخابات الأخيرة فى صف المحتجين، مؤكداً أن ما يشهده الجنوب الشيعى من انفجار شعبى هو فى جوهره ثورة على البؤس والجوع وثورة على أحزاب الشيعة، وثورة على تنامى سيطرة إيران على مقدرات الشعب العراقى، وكان مقتدى الصدر أحد قادة العراق القلائل الذى رفض هيمنة إيران على أوضاع العراق، ورفض محاولات إيران قتل الهوية العراقية، كما ساند آية الله السيستانى المرجعية الشيعية العليا فى العراق المحتجين، مؤكداً أنه ليس من المقبول ولا من العدل أن البصرة المحافظة الغنية بالنفط تصبح أكثر المحافظات بؤساً فى العراق!
وما يعرفه كل عراقى أن الفساد قد استشرى فى العراق إلى حد نهب ثرواته، وأن الطائفية كانت ستاراً يتخفى خلفه الفساد، وأن نهب مقدرات العراق لحساب قادة الأحزاب الشيعية وطبقة السياسيين فى الجنوب الشيعى كان يجرى على قدم وساق، وقد حاول رئيس الوزراء حيدر العبادى وقف الفساد لكنه اصطدم بقيادات حزبه (الدعوة) الأكثر قرباً من إيران مثل نورى المالكى، الذين عملوا لحساب طهران وقاوموا بشراسة محاولات العبادى استرجاع هوية العراق!
وما من شك أن ثورة شيعة الجنوب على الطائفية فى العراق ورفضهم كل الأحزاب الشيعية لأنها أقرب إلى إيران وأشد التصاقاً بالمصالح الإيرانية يشكل علامة مهمة فى مسيرة العراق، كما يشكل ضربة قاسية للطائفية تؤكد أن استقرار العراق وتعزيز وحدته الوطنية رهن باستقلال إرادته السياسية وهويته الثقافية بصرف النظر عن أن الشيعة يشكلون المكون الأغلب للشعب العراقى، وعندما يثور شيعة الجنوب العراقى على هيمنة إيران على مقدرات العراق دون اعتبار للطائفية فتلك خطوة مهمة تؤكد أن الوجه العربى للعراق سوف يبقى أبداً أهم عناصر الشخصية العراقية، وما من شك أيضاً أن ما حدث فى جنوب العراق الشيعى من ثورة على الطائفية يكشف أبعاد هيمنة فارس على مقدرات العراق والخليج، لأن المشكلة ليست فى جوهرها صراعاً بين السنة والشيعة، ولكنها هيمنة فارس ورغبتها فى المزيد من التمدد على حساب جيرانها العرب وسعيها الدؤوب إلى استثمار الطائفية لأغراض التوسع الفارسى .
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: الأهرام