بقلم : مكرم محمد أحمد
لماذ اصطنع الرئيس الأمريكي ترامب أزمته الأخيرة مع حلف الأطلنطي دون مسوغات تُبرر ذلك؟!، ولماذا هدّد بانسحاب الولايات المتحدة من الحلف قبل أيام قليلة من لقائه مع الرئيس الروسي بوتين في قمة هيلسنكي اليوم الأحد؟!، خاصة أن الوقائع تؤكد أن الرئيس ترامب حصل من قادة حلف الأطلنطي علي ما لم يحصُل عليه رئيس أمريكي سابق، أبقي علي الحلف في مساره رغم كل المشاكل، وألزم دوله أن تُشارك بأنصبة متزايدة في موازنة الحلف، كما ألزمها أن ترفع موازنات دفاعها إلي 2 في المائة من الناتج المحلي قبل 2024، في الوقت الذي تبلغ فيه موازنة الدفاع الأمريكي 2ر3 من الناتج المحلي الإجمالي، تهبط إلي 8ر2 عام 2024، وربما يعني زيادة أعضاء حلف الأطلنطي موازنات دفاعهم تمكين الأمريكيين من خفض موازناتهم الدفاعية التي وصلت إلي 700 مليار دولار بعض الشيء، وتقليل مدد وجود الجنود الأمريكيين في الخارج، لكن الرئيس ترامب لم يركز علي هذه النقاط، فقط هدد بالانسحاب من الحلف وإغلاق القواعد سواء في ألمانيا أو سوريا أو أي مكان آخر!.
وتعتقد صحيفة نيويورك تايمز أن الرئيس ترامب يتعامل بود وحرص شديدين مع الرئيس الروسي بوتين بأكثر من حلفائه في الناتو، ولم يتحرج في أن يُعلن أن هجوم الروس علي أوكرانيا وعودة مدينة كريمة لا يهمه كثيراً، ويحرص دائماً علي أن يكون حديثه عن الرئيس بوتين دافئاً، ولهذه الأسباب يخشي كثير من الأمريكيين أن يقامر ترامب بالخروج من حلف الناتو، ويطلبون من الكونجرس استصدار تشريع يمنع ترامب من الانسحاب من الحلف. والواضح أن ترامب لا يزال يعتقد أن حلفاءه في حلف الناتو يُشكلون عبئاً علي الولايات المتحدة بأكثر من أن يكونوا إضافة قوة، رغم أن الحلفاء وافقوا جميعاً في نهاية اجتماعات بروكسل علي إعلان مهم ينطوي علي عدد من الالتزامات الأساسية، تُعزز تضامنهم في وجه الروس، وتؤكد وحدة الأراضي الأوكرانية وضرورة استعادة مدينة كريمة، واستمرار الحرب علي الإرهاب، فضلاً عن أن دول الحلف رفعوا أنصبتهم المالية في موازنة الحلف منذ عام 2014 إلي حدود 46 بليون دولار. وقد كان لكلمات ترامب التي هدد فيها بالانسحاب من الحلف وقعها المفاجيء والسيئ علي أعضاء الحلف الذين انتابهم حالة من الدهشة والاضطراب والتساؤل عن حقيقة موقف الولايات المتحدة من الحلف، والنتائج التي يمكن توقعها ترتيباً علي موقف الرئيس الأمريكي، وإن كان معظم أعضاء الحلف يعتقدون أن ترامب هو المشكلة الحقيقية التي تواجه الحلف وأنه يختلق المشاكل للتقليل من أهمية الحلف وإظهار الجميع ضعفاء تأكيداً لدوره القوي!، ومن وجهة نظر ميشيل ماكفويل سفير أمريكا السابق في موسكو فإن الرئيس الأمريكي ترامب أضر بالحلف ضرراً بالغاً في فترة حكمه التي لا تزيد علي 18 شهراً بأكثر مما فعل الروس خلال 7 عقود هي عُمر الحلف، وقريباً من اتهامات السفير الأمريكي السابق في موسكو، جاءت ردود أفعال وزيرة الدفاع الألمانية علي الانتقادات التي وجهها الرئيس ترامب لألمانيا عندما قال إنها أصبحت أسيرة لروسيا، متهمة الرئيس الأمريكي بالحرص علي عمل فرقعة تهز حلف الناتو، واختلاق المشكلات مع الحلف قبل لقائه مع الرئيس الأمريكي في هلسنكي الأحد المقبل، حيث يبحث الرئيسان، إمكان توافق آرائهما حول الأمن الأوروبي، ومشكلة خفض التسلح، ومصلحتهما المشتركة في إنهاء الحرب الأهلية السورية، ومدي قدرتهما المشتركة علي ضبط المشهد السوري بعد عام من لقائهما علي هامش قمة العشرين في ألمانيا، وإنهاء المعارضة السورية المسلحة، والسماح لقوات الرئيس بشار الأسد بالدخول إلي مدينة درعا ورفع العلم السوري عليها، وخروج بقايا المُسلحين إلي محافظة إدلب في الشمال بعد تسليم أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة، وتقليص الدور الإيراني وانسحاب القوات الإيرانية من سوريا، ومدي مساندة الروس والأمريكيين لبشار الأسد، وهل يكون شريكاً في الانتخابات الرئاسية السورية التي تجري تحت إشراف دولي؟!. والحق أن مجرد التقاء الرئيسين ترامب وبوتين في هيلسنكي يعني انتصارا للكرملين والاعتراف بمكانة روسيا، وفشل كل محاولات عزلها أو تجاهلها، والإقرار بضرورة عودتها إلي قمة العشرين وأنها أصبحت طرفاً أساسياً فاعلاً في الشرق الأوسط يستحيل تجاهله.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: الأهرام