بقلم : مكرم محمد أحمد
يبدو أن حزب النهضة الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين في تونس، يري أن الظروف الراهنة للأزمة التونسية توفر للحزب فرصة الانقضاض علي الديمقراطية التونسية والاستيلاء علي السلطة، كما يبدو أننا نشهد الآن الفصل الأخير في قضية الديمقراطية وجماعة الإخوان المسلمين في تونس التي تخطط الآن من أجل الاستيلاء علي السلطة, بعد أن تحقق لها حالة )التمكين( التي يعتقد حزب النهضة أنه بلغها بالفعل بعد أن سيطر علي كل مفاصل الدولة، وتمكن من اختراق مؤسسات الدولة والمجتمع والحكومة وأولها مؤسسة الأمن بما يمكنه من الشروع بالانفراد بالسلطة في إطار نظام جديد للحكم, ينتفي فيه وجود معارضة وأغلبية يتنافسان علي تداول الحكم ويحكمه دستور جديد أو إعلان دستوري يحدد الأولويات التي يراها حزب النهضة، وفي مقدمتها تثبيت سلطته علي الحكم, مثلما حدث في مصر، عندما تبني محمد مرسي مشروع ال 100 يوم الذي تعهد فيه بحل مشكلات الأمن والمرور والطاقة والوقود والخبز وحقق فشلا ذريعا.
وسوف يسعي حزب النهضة إذا ما نجح مخططه في الاستيلاء علي السلطة في أن تكون الأولوية القصوي في برنامجه لـ (خونة الدولة (بسرعة وضراوة وزرع قياداته وعناصره في مراكز القوي داخل الدولة التونسية، ابتداء من ديوان رئيس الجمهورية إلي مناصب وزير الداخلية والنائب العام والقيادات الأساسية في الأمن، مع الإسراع بإصدار إعلان دستوري جديد يقنن حكم جماعة الإخوان ويقلص إن لم يمنع، فرص الطعن علي قرارات الرئيس الإخواني، بحيث تصبح نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للنقض أو الطعن بأي طريق وأمام أي جهة قضائية، مع الاستمرار في تفكيك مؤسسات الدولة وإنشاء مؤسسات بديلة وحرس ثوري بديل علي نمط الحرس الثوري الإيراني وإعطاء الصدارة لقادة حزب النهضة كي يتصدروا مجمل الصورة، وتمكين مجلس شوري الجماعة من مراجعة كل قرارات الدولة قبل صدورها، بحيث تخرج جميع القرارات من مكتب إرشاد الجماعة إلي مكتب الرئيس الإخواني، والبدء في تطيبق قاموس سياسي جديد يجعل من الاعتراض علي قرارات الرئيس الإخواني خروجا عن الشريعة والدين، وتشكيل جماعات سرية تتولي إكراه صور المعارضة علي الإذعان والخضوع، وتمكين هذه الجماعات من مهام الاغتيال والتعذيب والاعتداء خارج إطار القانون وممارسة مختلف صور العنف البدني ضد الخصوم السياسيين لجماعة الإخوان علي النحو الذي مارسته الجماعة في مصر، حيث تم توثيق عمليات اغتيال طالت 470 شخصا في 26 محافظة خلال سنة واحدة من حكم جماعة الإخوان، ويكشف تاريخ الجماعة في مصر و توابعها في العالمين العربي والإسلامي طبيعة البروتوكولات التي تحكم علاقة الجماعة بمختلف القوي السياسية التي تقوم علي إمكان تحالف الجماعة مع القوي المعارضة ما دام ذلك يشكل مصلحة لها ويعزز فرصها في الانتشار وأخونة المجتمع من الداخل، ويمكنها من تعزيز مواقع قياداتها في المجتمع من خلال شبكات مساعدات اجتماعية جماعية، تتمثل عادة في فصول دراسية لتقوية التلاميذ، ومستشفيات رخيصة تعالج المرضي الفقراء، وفي هذه المرحلة مرحلة الذيوع والانتشار تتجسد صورة الجماعة في الداعية البشوش الذي يخاطب الجميع بسلاسة ونعومة وود إلي أن تتمكن الجماعة من السيطرة علي مفاصل الدولة ومفاتيح المجتمع، وتصل إلي حالة) التمكين) الذي يتحقق باختراق الجماعة مؤسسات الدولة الحيوية الجيش والشرطة والأمن والقضاء إلي أن تحين الفرصة الملائمة، وتتمكن الجماعة من القفز علي السلطة التي عادة ما تأخذ شكل استثمار أزمة حقيقية أو مفتعلة، هنا ينكشف الوجه الآخر للجماعة الذي يحرق ويحاصر ويدمر ويرتكب جرائم الاغتيال ويمارس كل صور العنف من أجل تثبيت سلطة الجماعة، وسحق أي جماعة أخري تقاوم سيطرة جماعة الإخوان علي الدولة أو تفضح سلوكها الهدام.
ولا يختلف تفكير إخوان تونس عن إخوان مصر رغم ما يروج له راشد الغنوشي مرشد الجماعة في تونس لأن العلاقة بين إخوان مصر وإخوان تونس هي علاقة الفرع بالأصل، المرجعية للاثنين واحدة، حيث تعود العلاقات التنظيمية والفكرية بين حركة النهضة التونسية وجماعة الإخوان في مصر إلي سنوات التأسيس الأولي لحركة النهضة عام1972، ومنذ تأسيس التنظيم العالمي لجماعة الإخوان عام 1982 علي يد مرشد الجماعة مصطفي مشهور كان حزب النهضة التونسي عضوا نشيطا في التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، يمثله أمير الجماعة في تونس الشيخ راشد الغنوشي الذي اضطلع بدور محوري في أوروبا والمغرب العربي لصالح التنظيم الدولي للجماعة، وعن التنظيم الأم في مصر أخذ الغنوشي نظام الأسرة وتعلم أساليب الجماعة بما في ذلك أساليب اختراق الأجهزة الأمنية ووسائل) أخونة المجتمع( وصولا إلي حالة (التمكين( وانتظار الفرصة المناسبة للقفز علي السلطة. والواضح في تونس أن جماعة الإخوان) حزب النهضه (تري الآن أنها قد وصلت بالفعل إلي) مرحلة التمكين( والسيطرة علي كل مفاصل الدولة ومفاتيح المجتمع، وحانت فرصة القفز علي السلطة لأسباب عديدة.
أولها أن الرئيس التونسي قائد السبسي أطال الله عمره 88 (عاما( رغم يقظة تفكيره وذكائه الاستراتيجي وقدرته البالغة علي تحليل الأوضاع وفك طلاسمها قد بلغ من العمر عتيا، وقاربت مدة حكمه علي الانتهاء مع نهاية العام المقبل 2019 ،وهو لم يعلن بعد عن قراره النهائي عما إذا كان سيرشح نفسه في الانتخابات الرئاسية القادمة رغم بعض تصريحاته التي تركت الباب مواربا، لكن كبر سن السبسي أغري كثيرين علي التفكير في الترشح لمنصب الرئيس عام 2019 أولهم راشد الغنوشي الذي يعتقد كما جاء علي لسان متحدثه الرسمي عماد خيري أن الغنوشي يتمتع بكل الإمكانات ليكون رئيسا للجمهورية، وأنه خال من أي مانع قانوني يحول دون خوضه الانتخابات الرئاسية عام 2019 ، وأن حزبه يملك كل أدوات المال والسلطة تساعده إيران وتركيا, بعد أن فاز حزب النهضة في انتخابات البلدية الأخيرة بنحو 28٫6 في المائة من أصوات البلديات، كما فاز بأهم مناصبها رئيس بلدية تونس الذي يسمي (شيخ تونس وهو منصب رفيع مهم أكبر من منصب وزير وأقل من رئيس دولة، فازت به السيدة سعاد عبد الرحيم علي منافسها مرشح حزب نداء تونس الحاكم، رغم أن السيدة سعاد)54عاما) أعلنت أنها تمثل حزب النهضة لكنها ليست عضوا فيه في مخاتلة وصفتها الأحزاب الأخري بأنها نوع من التقية التي تكشف عن ذرائعية تبيح المحظورات وصولا إلي الأهداف، فضلا عن أن )شيخة تونس( غير محجبة تري أن من حق المسلم أن يفطر في رمضان شريطة ألا يؤذي مشاعر الآخرين، ويعتبر راشد الغنوشي فوز الحزب بمشيخة تونس مقدمة للفوز بمنصب رئيس الجمهورية.
ويكمن السبب الثاني في أن حزب نداء تونس الذي يرأسه الرئيس السبسي ويملك 85 مقعدا في البرلمان، بينما يتحصل حزب النهضة علي 69 مقعدا وضعته في المرتبة الثانية بعد حزب نداء تونس يتعرض الآن لأزمة حادة وانقسامات شديدة أدت إلي استقالة جزء كبير من نوابه بسبب الخلاف العميق بين رئيس الحزب قائد السبسي رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه يوسف الشاهد)44 عاما( الذي يطمح في الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2019 ، فضلا عن الصراع الآخر المستعر داخل الحزب بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد والمدير التنفيذي لحزب نداء تونس حافظ السبسي نجل الرئيس الذي يداخله هو الآخر الرغبة في أن يرث منصب والده الباجي قائد السبسي، وعندما طلب الرئيس السبسي من رئيس وزرائه تقديم استقالته أو الذهاب إلي البرلمان طلبا لتجديد الثقة وجد راشد العنوشي الفرصة سانحة لتعميق الخلاف بين رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه وانحاز إلي يوسف الشاهد الذي يعتقد أن صغر سنه)44 عاما( ربما يكون ورقة رابحة في انتخابات الرئاسة عام 2019 لأنه أنجز إصلاحا اقتصاديا تعاون فيه مع صندوق النقد الدولي وظفر بتأييد عدد من الدول الأوروبية، وتسبب انحياز الغنوشي إلي رئيس الوزراء يوسف الشاهد في أن أصبحت أزمة الثقة بين رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه أكثر تعقيدا، وبلغت الأزمة ذروتها بإعلان حزب نداء تونس فض علاقة التحالف مع حزب النهضة وتعطيل العمل بالائتلاف الرئيسي الحاكم، والواضح من خطط راشد الغنوشي أنه صف إلي جوار رئيس الوزراء يوسف الشاهد ليزيد من قوة الانقسام داخل حزب نداء تونس ويطيل من عمر الأزمة ويعطل حلولها الصحيحة التي كان يمكن أن تتحقق بذهاب رئيس الوزراء إلي البرلمان طلبا لتجديد الثقة، خاصة أن حكومة الشاهد تواجه أيضا مشكلات حادة مع اتحاد الشغل التونسي أكبر تنظيم عمالي في البلاد الذي يصر علي رحيل الحكومة؛ لعجزها الفادح عن ضمان أمن البلاد بعد جريمة جندوبه التي وقعت قرب حدود الجزائر وقتل فيها 6 عناصر من قوات الحرس الوطني التونسي، وقام بارتكابها تنظيم القاعدة الذي يتشكل من عدد من التونسيين الذين كانوا يعملون في العراق وسوريا إلي جوار داعش، ويبدو أن الشكوك تحيط بموقف رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي تتهمه دوائر عديدة بأنه أفسح الطريق لهذه الجماعات بإقالته وزير الداخلية السابق لطفي براهم وتعيين غازي الحريبي حليف حزب النهضة بدلا منه، والذي ضرب وزارة الداخلية في مقتل عبر سلسلة إقالات عدد من القيادات الأمنية التي تشكل العمود الفقري للأمن التونسي، وثمة اتهامات واضحه بأن الحريبي فعل ذلك لحساب جماعة الإخوان المسلمين التي نجحت في اختراق داخلية تونس إلي حد أن مديرة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في تونس بدرة بعقول تري أن إقالة وزير الداخلية لطفي إبراهيم كانت نوعا من الإملاءات الحزبية لحزب النهضة، وشكلت كارثة كبري لتونس لأنها فتحت الباب أمام حزب النهضة كي يتمكن من اختراق المؤسسة الأمنية.
ويبدو أن تصرفات حزب النهضة بعد فض علاقات تحالفه مع حزب نداء تونس كان لها أثرها السلبي في الشارع التونسي خاصة بعد إطلاق تهديداته داخل البرلمان علي لسان وزير الفلاحة السابق محمد بن سالم عضو حزب النهضة والذي أنذر البرلمان، بأنه سوف يشل الحياة في تونس ويوقف كل شيء، بما في ذلك قانون المالية الذي يتم بمقتضاه صرف أجور الموظفين عقابا لحزب نداء تونس الذي فض علاقته بحزب النهضة، وقد أثارت تهديدات محمد بن سالم عاصفة غضب شعبي عارما شملت كل فئات المجتمع التونسي، وكما استنكرت الأستاذة الجامعية والأديبة ألفت يوسف تصريحات محمد بن سالم، وكتبت ساخرة من حزب النهضة) كنت أظن أنني أعمل ضمن مؤسسة التعليم العالي في تونس لكنني اكتشفت أخيرا أنني أعمل في مزرعة محمد بن سالم(، كما كتب النقابي الحبيب الراشدي علي صفحته علي الفيسبوك وكأننا نعيش في منزل والد محمد بن سالم، ولو أن هناك عدالة ناجزة في تونس لوجبت محاكمته ليصبح الآن في السجن رهن التحقيق، كما كتب العشرات من أساتذة الجامعات والمعلقين تعليقات لا تقل سخرية أخطرها ما كتبه الأمين العام لحركة مشروع تونس، الحزب الثالث في البلاد الذي كشف في تعليقه التواطؤ الخفي بين حزب النهضة التونسي ومجموعات الإرهابيين التونسيين اللذين عادوا من سوريا والعراق؛ ليمارسوا جرائمهم ضد الشعب التونسي وينطلقوا في عملياتهم من داخل ليبيا. وبخلاف كل المعارك السياسية السابقة استخدم المتصارعون علي السلطة في تونس وبينهم جماعات المتطرفين هذه المرة كل عمليات التخريب وقطع المياه والكهرباء وإضرام النار في الغابات والمزارع ودفع البلاد إلي حالة من الشلل من خلال عمليات تخريب واسعة ومتزامنة، الأمر الذي أدي إلي تراجع مخيف في شعبية كل الأحزاب التونسية بنسب تصل إلي 70 في المائة، فضلا عن كثافة الحملات الإعلانية التي جعلت الجميع ضد الجميع، يرفعون كل أنواع الشعارات ويطالبون بحل البرلمان واستقالة السبسي وإقالة ابنه حافظ المدير التنفيذي للحزب وإقالة حكومة يوسف الشاهد وإقصاء الغنوشي وحزب النهضة من كل مواقع المعارضة والحكم، بما يؤكد تصدع الطبقة السياسية وعمق الصراعات داخل كل القوي السياسية دون استثناء، وازدياد الوضع سوءا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية عام 2019.
وربما يكون راشد الغنوشي قد نجح في تخريب حزب نداء تونس وتعزيز انقسامه بوقوفه إلي جوار رئيس الوزراء يوسف الشاهد ضد رئيس الجمهورية السبسي؛ ليبقي حزب النهضة صاحب الأغلبية المسيطر علي معظم البلديات ويحوز مشيخة تونس، لكن الغنوشي لم يفلت من عقاب المشهد التونسي، لأن حزب النهضة اكتسب عداء الشارع التونسي رغم أنه بات صاحب الأغلبية الأولي في البرلمان، له 68 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 217 لأن الأزمة التونسية باتت تهدد أمن واستقرار تونس التي تعاني أزمة اقتصادية كبيرة وبطالة واسعة لأكثر من نصف مليون مواطن، كما أن غرور حزب النهضة أفقده اتزانه إلي حد أن أصبح حزبا استفزازيا يواجه حملة انتقادية شعواء تطالب بطرد النهضة وإقصائها من اللعبة السياسية وتحميلها المسئولية السياسية لانتشار العنف والإرهاب في البلاد، والأمر المؤكد أن الوفاق كان منذ البداية صعبا أو مستحيلا بين حزب نداء تونس العلماني وتوجهات حزب النهضة الإسلامي التي تقتفي أثر جماعة الإخوان المسلمين في مصر ابتداء من حسن البنا إلي سيد قطب إلي أبو الأعلي المودودي بما جعل تونس تدور في حلقة مفرغة دون حل حاسم لأن أحدا في تونس لم يعد يملك قدرة الحسم.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: الأهرام