بقلم ـ مكرم محمد أحمد
هل أصبحت أمريكا أكثر عنصرية تحت حكم الرئيس ترامب الذى لم يكمل بعد عامه الأول فى الحكم؟، هذا هو السؤال الذى يسأله الأمريكيون لأنفسهم بعد تراجيديا الأحداث التى بدأت هذا الأسبوع فى مدينة «شارلوتسفيل» عندما خرجت تظاهرة عنصرية مسلحة يقودها جماعات عنصرية بيضاء ترتدى زى الميليشيات العسكرية تنمتى لمنظمة «كوكس كلان» التى اشتهرت منذ زمن بإحراق منازل السود الأمريكيين، وجماعات أخرى من النازيين الجدد التى تؤمن بحق الجنس الأبيض فى أن يتفوق ويسود كل الأجناس ، ترفع شعارات عنصرية تهدد السود والملونين الأمريكيين والمهاجرين إلى الولايات المتحدة من دول إسلامية وإفريقية وتتوعدهم بالرحيل العاجل خارج الولايات المتحدة وترفع شعارات عنصرية تنير الكراهية والأحقاد من نوع ((أبدا لن تكونوا مكاننا)) و ((أمريكا ينبغى أن تبقى للبيض))، الأمر الذى استفز جماعات أخرى داخل المدينة ليقع صدام وعراك دام فى أهم ميادين «شارلو تسفيل» ، وزاد من سوء الموقف أن إقتحم شاب أبيض ينتمى لجماعة النازيين الجدد بسيارته التى يقودها بأقصى سرعة تجمعا صغيرا لمظاهرة مضادة ترفع شعارات مضادة ترفض العنصرية والكراهية، بما أدى إلى مقتل سيدة صغيرة (32 عاما) ووقوع عدد من الجرحى يفوق العشرين!.
أثار الحادث غضب الأمريكيين المنقسمين على أنفسهم ما بين أقلية سوداء وملونة يكاد يصل عددها الآن إلى40 فى المائة من سكان الولايات المتحدة، وأغلبية بيضاء يساورها الخوف والقلق على مستقبلها ومستقبل أمريكا البيضاء مع تزايد الهجرة وقلة فرص العمل التى يذهب أغلبها للمهاجرين والملونين الذين يقبلون أجورا أقل، بما أعطى الفرصة لجماعات عنصرية من البيض من أمثال «كوكس كلان» و«النازيين الجدد» ومكنهم من اختراق مجموعات واسعة من الشباب البيض معظمهم لم يحصلوا على شهادات عالية وينتمون للطبقة الوسطى الضعيفة ويعانون البطالة، ويشكل جمهورهم القوة الانتخابية الأكثر وضوحا فى معسكر الرئيس ترامب وقت ترشحه لانتخابات الرئاسة قبل ستة أشهر!
وبينما يتساءل علماء النفس والاجتماع السياسى ودوائر المثقفين ونخبة رجال الأعمال دهشة من هذه العودة المقلقة لتيار العنصرية الجارف الذى يجتاح نسبة غير قليلة من الشباب الأمريكى ، ويعزو معظمهم السبب إلى ثقافة المجتمع الأمريكى التى تتراجع رغم تقدم أمريكا التكنولوجى، لأن المناخ السائد يشجع على ذلك ولأن الجميع يتنفسون فى ظل الأجواء السائدة هواء مسموما بالعنصرية والكراهية ، تأخذ النخب السياسية موقفا مختلفا تتهم الرئيس «ترامب» بأنه المسئول عن ذلك وتسعى لإدانته بحجة أنه صمت على أحداث «شارلو تسفيل» لأكثر من يومين رغم كثرة تغريداته على الإنترنت، إلى أن أفاق وأدرك خطورة ما حدث على مستقبله السياسى فسارع متعجلاً إلى إعلان موقف جديد يؤكد فيه أن العنصرية شر مطلق ، ويدين بالاسم جماعات «كوكس كلان» و«النازيين الجدد» بأنهم مجرمون لا مكان لهم فى الولايات المتحدة!
لكن النخبة المعادية لتوجهات ترامب ترى فى أحداث «شارلو تسفيل» فرصة يمكن أن تساعدهم على التخلص من حكم «ترامب» أو التخلص من أقطاب أقصى اليمين داخل البيت الأبيض الذين يمثلهم كبير مستشارى «ترامب» «ستيفين فانون» ويسوقون قائمة طويلة من أقوال «ترامب» وتصرفاته تدل على عمق عنصريته ، ابتداءً من حملته الشديدة على الرئيس السابق «أوباما» التى أنكرت عليه جنسيته الأمريكية وتساءلت عن شهادة ميلاده إلى تغريدته الشهيرة على تويتر بأن أمريكا ((لن يحكمها لأجيال طويلة قادته رئيس أسود))، إلى تأخره عن الحديث عن أحداث «شارلو تسفيل» ثلاثة أيام بأكملها، لكن الثابت من احتدام العراك السياسى فى أمريكا بعد هذه الأحداث أن أمريكا تتغير وأن أحداث «شارلو تسفيل» ربما تكون نقطة تحول مهمة فى تاريخ الولايت المتحدة.